تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

افتتحها تبارك وتعالى بالإخبار بألوهيته ، وأنه الإله الذي لا إله إلا هو الذي لا ينبغي التأله والتعبد إلا لوجهه ، فكل معبود سواه فهو باطل ، والله هو الإله الحق المتصف بصفات الألوهية التي مرجعها إلى الحياة والقيومية ، فالحي من له الحياة العظيمة الكاملة المستلزمة لجميع الصفات التي لا تتم ولا تكمل الحياة إلا بها كالسمع والبصر والقدرة والقوة والعظمة والبقاء والدوام والعز الذي لا يرام { القيوم } الذي قام بنفسه فاستغنى عن جميع مخلوقاته ، وقام بغيره فافتقرت إليه جميع مخلوقاته في الإيجاد والإعداد والإمداد ، فهو الذي قام بتدبير الخلائق وتصريفهم ، تدبير للأجسام وللقلوب والأرواح .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

ثم وصف - سبحانه - ذاته بما يليق به من جلال وكمال فقال : { الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } .

ولفظ الجلالة { الله } يقول بعض العلماء : إن أصله إله ، دخلت عليه أداة التعريف " ال " وحذفت الهمزة فصارت الكلمة الله .

قال القرطبي : قوله { الله } هذا الاسم أكبر أسمائه - تعالى - وأجمعها حتى قال بعضهم : إنه اسم الله الأعظم ، ولم يتسم به غيره ، ولذلك لم يثن ولم يجمع ، فالله اسم للموجود الحق الجامع لصفات الألوهية ، المنعوت بنعوت الربوبية المنفرد بالوجود الحقيقى ، لا إله إلا هو سبحانه - .

ولفظ " إله " قالوا : إنه من أله أى عبد ، فالإِله على هذا المعنى هو المعبود وقيل هو أله أى تحير . . وذلك لأن العبد إذا تفكر فى صفاته - تعالى - تحير فيها ، ولذا قيل : تفكروا فى آلاء الله ولا تتفكروا فى الله .

و { الحي } أى : المتصف بالحياة التى لا بدء ولا فناء لها .

و { القيوم } الدائم القيام بتدبير أمر الخلق وحفظهم ، المعطى لهم ما به قوام حياتهم ، وهو مبالغة فى القيام وأصله قيووم - بوزن فيعول - من قام بالأمر إذا حفظه ودبره .

والمعنى : الله - تعالى - هو الإِله الحق المتفرد بالألوهية التى لا يشاركه فيها سواه . وهو المعبود الحق وكل معبود سواه فهو باطل ، وهو ذو الحياة الكاملة . وهو الدائم القيام بتدبير شئون الخلق وحياطتهم ورعايتهم وإحيائهم وإماتتهم .

قال الآلوسى : ولفظ الجلالة " الله " مبتدأ وما بعده خبر . والجملة مستأنفة ، أى : هو المستحق للعبودية لا غيره . و { الحي القيوم } خبر بعد خبر ، أو خبر لمبتدأ محذوف أى : هو الحى القيوم . . وأياً ما كان فهو كالدليل على اختصاص استحقاق العبودية به - سبحانه - وقد أخرج الطبرانى وابن مزدويه من حديث أبى أمامة مرفوعا أن اسم الله الأعظم فى ثلاث سور ، فى سورة البقرة ، وآل عمران ، وطه .

وقال أبو أمامة : فالتمستها فوجدت فى البقرة { الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } وفى آل عمران { الله لا إله إِلاَّ هُوَ الحي القيوم } وفى طه { وَعَنَتِ الوجوه لِلْحَيِّ القيوم }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

1

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم . نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه ، وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس ، وأنزل الفرقان . إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد ، والله عزيز ذو انتقام . إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء . هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم . هو الذي أنزل عليك الكتاب : منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات . فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله - وما يعلم تأويله إلا الله - والراسخون في العلم يقولون : آمنا به ، كل من عند ربنا - وما يذكر إلا أولو الألباب - ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ، وهب لنا من لدنك رحمة ، إنك أنت الوهاب . ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ، إن الله لا يخلف الميعاد ) . .

هكذا تبدأ السورة في مواجهة أهل الكتاب المنكرين لرسالة النبي [ ص ] وهم بحكم معرفتهم بالنبوات والرسالات والكتب المنزلة والوحي من الله ، كانوا أولى الناس بأن يكونوا أول المصدقين المسلمين . لو أن الأمر أمر اقتناع بحجة ودليل !

هكذا تبدأ السورة في مواجهتهم بهذا الشوط القاطع ، الفاصل في أكبر الشبهات التي تحيك في صدورهم ، أو التي يتعمدون نثرها في صدور المسلمين تعمدا . والكاشف لمداخل هذه الشبهات في القلوب ومساربها . والمحدد لموقف المؤمنين الحقيقيين من آيات الله وموقف أهل الزيغ والانحراف ! والمصور لحال المؤمنين من ربهم والتجائهم إليه ، وتضرعهم له ، ومعرفتهم بصفاته تعالى :

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) . .

وهذا التوحيد الخالص الناصع هو مفرق الطريق بين عقيدة المسلم وسائر العقائد ، سواء منها عقائد الملحدين والمشركين ، وعقائد أهل الكتاب المنحرفين : يهودا أو نصارى . على اختلاف مللهم ونحلهم جميعا . كما أنه هو مفرق الطريق بين حياة المسلم وحياة سائر أهل العقائد في الأرض . فالعقيدة هنا تحدد منهج الحياة ونظامها تحديدا كاملا دقيقا .

( الله لا إله إلا هو ) . . فلا شريك له في الألوهية . . ( الحي ) . . الذي يتصف بحقيقة الحياة الذاتية المطلقة من كل قيد فلا شبيه له في صفته . . ( القيوم ) . . الذي به تقوم كل حياة وبه يقوم كل وجود ؛ والذي يقوم كذلك على كل حياة وعلى كل وجود . فلا قيام لحياة في هذا الكون ولا وجود إلا به سبحانه .

وهذا مفرق الطريق في التصور والاعتقاد . ومفرق الطريق في الحياة والسلوك .

مفرق الطريق في التصور والاعتقاد . بين تفرد الله - سبحانه - بصفة الألوهية وذلك الركام من التصورات الجاهلية : سواء في ذلك تصورات المشركين - وقتها في الجزيرة - وتصورات اليهود والنصارى - وبخاصة تصورات النصارى .

ولقد حكى القرآن عن اليهود أنهم كانوا يقولون : عزير ابن الله . كما أن الانحراف الذي سجله ما يعتبره اليهود اليوم " الكتاب المقدس " يتضمن شيئا كهذا . كما جاء في سفر التكوين : الإصحاح السادس .

فأما انحرافات التصورات المسيحية فقد حكى القرآن منها قولهم : إن الله ثالث ثلاثة . وقولهم : إن الله هو المسيح بن مريم . واتخاذهم المسيح وأمه إلهين من دون الله . واتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله . .

وقد جاء في كتاب " الدعوة إلى الإسلام " تأليف أرنولد ، شيء عن هذه التصورات . .

ولقد أفلح جستنيان قبل الفتح الإسلامي بمائة عام في أن يكسب الإمبراطورية الرومانية مظهرا من مظاهر الوحدة . ولكن سرعان ما تصدعت بعد موته ، وأصبحت في حاجة ماسة إلى شعور قومي مشترك ، يربط بين الولايات وحاضرة الدولة . أما هرقل فقد بذل جهودا لم تصادف نجاحا كاملا في إعادة ربط الشام بالحكومة المركزية . ولكن ما اتخذه من وسائل عامة في سبيل التوفيق قد أدى لسوء الحظ إلى زيادة الانقسام بدلا من القضاء عليه . ولم يكن ثمة ما يقوم مقام الشعور بالقومية سوى العواطف الدينية . فحاول بتفسيره العقيدة تفسيرا يستعين به على تهدئة النفوس أن يقف ما يمكن أن يشجر بعد ذلك بين الطوائف المتناحرة من خصومات ؛ وأن يوحد بين الخارجين على الدين وبين الكنيسة الأرثوذكسية ، وبينهم وبين الحكومة المركزية . . وكان مجمع خلقيدونية قد اعلن في سنة 451 ميلادية أن المسيح ينبغي أن يعترف بأنه يتمثل في طبيعتين لا اختلاط بينهما ، ولا تغير ، ولا تجزؤ ، ولا انفصال . ولا يمكن أن ينتفي خلافهما بسبب اتحادهما . بل الأحرى أن تحتفظ كل طبيعة منهما بخصائصها ؛ وتجتمع في أقنوم واحد ، وجسد واحد . لا كما لو كانت متجزئة أو منفصلة في أقنومين . بل متجمعة في أقنوم واحد هو ذلك الابن والله والكلمة . . وقد رفض اليعاقبة هذا المجمع ، وكانوا لا يعترفون في المسيح إلا بطبيعة واحدة . وقالوا : إنه مركب الأقانيم . له كل الصفات الإلهية والبشرية . ولكن المادة التي تحمل هذه الصفات لم تعد ثنائية . بل أصبحت وحدة مركبة الأقانيم . . وكان الجدل قد احتدم قرابة قرنين من الزمان بين طائفة الأرثوذكس وبين اليعاقبة الذين ازدهروا بوجه خاص في مصر والشام والبلاد الخارجة عن نطاق الإمبراطورية البيزنطية ، في الوقت الذي سعى فيه هرقل في إصلاح ذات البين عن طريق المذهب القائل بأن للمسيح مشيئة واحدة . ففي الوقت الذي نجد فيه هذا المذهب يعترف بوجود الطبيعتين ، إذا به يتمسك بوحدة الأقنوم في حياة المسيح البشرية . وذلك بإنكاره وجود نوعين من الحياة في أقنوم واحد . فالمسيح الواحد ، الذي هو ابن الله ، يحقق الجانب الإنساني والجانب الإلهي بقوة إلهية إنسانية واحدة . ومعنى هذا أنه لا يوجد سوى إرادة واحدة في الكلمة المتجسدة . . لكن هرقل قد لقي المصير الذي انتهى إليه كثيرون جدا ممن كانوا يأملون أن يقيموا دعائم السلام . ذلك بأن الجدل لم يحتدم مرة أخرى كأعنف ما يكون فحسب ، بل إن هرقل نفسه قد وصم بالإلحاد ، وجر على نفسه سخط الطائفتين على السواء "

كذلك يقول باحث مسيحي آخر هو " كانون تايلور " عن الحالة بين نصارى الشرق عند البعثة المحمدية : " وكان الناس في الواقع مشركين يعبدون زمرة من الشهداء والقديسين والملائكة " .

أما انحرافات عقائد المشركين فقد حكى القرآن عنها : عبادتهم للجن والملائكة والشمس والقمر والأصنام . وكان أقل عقائدهم انحرافا عقيدة من يقولون عن هذه الآلهة : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) !

فأمام هذا الركام من التصورات الفاسدة والمنحرفة التي أشرنا إليها هذه الإشارات الخاطفة جاء الإسلام في هذه السورة - ليعلنها ناصعة واضحة صريحة حاسمة :

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .

فكانت مفرق الطريق في التصور والاعتقاد . . كذلك كانت مفرق الطريق في الحياة والسلوك . .

إن الذي يمتلىء شعوره بوجود الله الواحد الذي لا إله إلا هو . الحي الواحد الذي لا حي غيره . القيوم الواحد الذي به تقوم كل حياة أخرى وكل وجود ، كما أنه هو الذي يقوم على كل حي وكل موجود . .

إن الذي يمتلىء شعوره بوجود الله الواحد الذي هذه صفته ، لا بد أن يختلف منهج حياته ونظامها من الأساس عن الذي تغيم في حسه تلك التصورات التائهة المهوشة . فلا يجد في ضميره أثرا لحقيقة الألوهية الفاعلة المتصرفة في حياته !

إنه مع التوحيد الواضح الخالص لا مكان لعبودية إلا لله . ولا مكان للاستمداد والتلقي إلا من الله . لا في شريعة أو نظام ، ولا في أدب أو خلق . ولا في اقتصاد أو اجتماع . ولا مكان كذلك للتوجه لغير الله في شأن من شؤون الحياة ، وما بعد الحياة . . أما في تلك التصورات الزائغة المنحرفة المهزوزة الغامضة فلا متجه ولا قرار ، ولا حدود لحرام أو حلال ، ولا لخطأ أو صواب : في شرع أو نظام ، في أدب أو خلق ، وفي معاملة أو سلوك . . فكلها . . كلها . . إنما تتحدد وتتضح عندما تتحدد الجهة التي منها التلقي ، وإليها التوجه ، ولها الطاعة والعبودية والاستسلام .

ومن ثم كانت هذه المواجهة بذلك الحسم في مفرق الطريق :

( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) . .

ومن ثم كان التميز والتفرد لطبيعة الحياة الإسلامية - لا لطبيعة الاعتقاد وحده - فالحياة الإسلامية بكل مقوماتها إنما تنبثق انبثاقا من حقيقة هذا التصور الإسلامي عن التوحيد الخالص الجازم . التوحيد الذي لا يستقيم عقيدة في الضمير ما لم تتبعه آثاره العملية في الحياة . من تلقي الشريعة والتوحيد من الله في كل شأن من شؤون الحياة . والتوجه كذلك إلى الله في كل نشاط وكل اتجاه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ٱللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡحَيُّ ٱلۡقَيُّومُ} (2)

ابتُدِىء الكلام بمسند إليه خَبرُه فِعْلِيُّ : لإفادة تقوية الخبر اهتماماً به .

وجيء بالاسم العلَم : لتربية المهابة عند سماعه ، ثم أردف بجملة { لا إله إلاّ هو } ، جملةً معترضة أو حاليةً ، ردّاً على المشركين ، وعلى النصارى خاصة . وأتبع بالوصفين { الحيّ القيوم } لنفي اللبس عن مسمَّى هذا الاسم ، والإيماء إلى وجه انفراده بالإلاهية ، وأنّ غيره لا يستأهلها ؛ لأنّه غير حيّ أوْ غير قَيُّوم ، فالأصنام لا حياة لها ، وعيسى في اعتقاد النصارى قد أميت ، فما هو الآن بقيوُّم ولا هو في حال حياته بقيّوم على تدبير العالم ، وكيف وقد أوذِيَ في الله ، وكُذّب ، واختفّى من أعدائه . وقد مضى القول في معنى { الحيّ القيّوم } في تفسير آية الكرسي .