ثم ذكر من هم الذين من قبل قد خلوا ، وهذه سنتهم وعادتهم ، وأنهم { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ ْ } فيتلون على العباد آيات اللّه ، وحججه وبراهينه ، ويدعونهم إلى اللّه { وَيَخْشَوْنَهُ ْ } وحده لا شريك له { وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا ْ } إلا اللّه .
فإذا كان هذا ، سنة في الأنبياء المعصومين ، الذين وظيفتهم قد أدوها وقاموا بها ، أتم القيام ، وهو : دعوة الخلق إلى اللّه ، والخشية منه وحده التي تقتضي فعل كل مأمور ، وترك كل محظور ، دل ذلك على أنه لا نقص فيه بوجه .
{ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا ْ } محاسبًا عباده ، مراقبًا أعمالهم . وعلم من هذا ، أن النكاح ، من سنن المرسلين .
ثم مدح - سبحانه - هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين يبلغون دعوته دون أن يخشوا أحدا سواه فقال : { الذين يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ الله } للذين يكلفهم - سبحانه - بتبليغها لهم . والموصول فى محل جر صفة للذين خلوا . أو منصوب على المدح .
{ وَيَخْشَوْنَهُ } أى : ويخافونه وحده { وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ الله } - عز وجل - فى كل ما يأتون وما يذرون ، وما يقولون وما يفعلون .
{ وكفى بالله حَسِيباً } أى : وكفى بالله - تعالى - محاسبا لعباده على نبات قلوبهم وأفعالهم جوارحهم ، وأقوال ألسنتهم .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: سنة الله في الذين خلوا من قبل محمد من الرسل، الذي يبلغون رسالات الله إلى من أُرسلوا إليه، ويخافون الله في تركهم تبليغ ذلك إياهم، ولا يخافون أحدا إلا الله، فإنهم إياه يرهبون إن هم قصروا عن تبليغهم رسالة الله إلى من أُرسلوا إليه. يقول لنبيه محمد: فمن أولئك الرسل الذين هذه صفتهم، فكن ولا تخش أحدا إلا الله، فإن الله يمنعك من جميع خلقه، ولا يمنعك أحد من خلقه منه، إن أراد بك سوءا...
وقوله:"وكَفَى باللّهِ حَسِيبا" يقول تعالى ذكره: وكفاك يا محمد بالله حافظا لأعمال خلقه، ومحاسبا لهم عليها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
وتبليغ الرسالة يكون مرة بالخبر والقول، ومرة بالفعل، يلزم الناس في إتباعه في فعله كما يلزم في خبره وأمره، إلا في ما ظهرت له الخصوصية في فعل ما.
{إلا الله} بمعنى سواه على المبالغة في الأمر.
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
" ويخشونه ": علماً منهم بأنه لا يُصِيبُ أحداً ضررٌ ولا محذورٌ ولا مكروهٌ إلا بتقديره؛ فيفردونه بالخشية إذ عَلِموا أنه لا شيءَ لأحدٍ مِنْ دونه.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{ولا يخشون أحداً إلا الله} تعريض بالعتاب الأول في خشية النبي عليه السلام الناس، ثم رد الأمَر كله إلى الله وأنه المحاسب على جميع الأعمال والمعتقدات.
{وكفى بالله حسيبا} أي محاسبا فلا تخش غيره،أو محسوبا فلا تلتفت إلى غيره ولا تجعله في حسابك.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله)..
فلا يحسبون للخلق حسابا فيما يكلفهم الله به من أمور الرسالة، ولا يخشون أحدا إلا الله الذي أرسلهم للتبليغ والعمل والتنفيذ.
فهو وحده الذي يحاسبهم، وليس للناس عليهم من حساب.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي قوله: {الذين يبلغون} جيء بالموصول دون اسم الإشارة أو الضمير لما في هذه الصلة من إيماء إلى انتفاء الحرج عن الأنبياء في تناول المباح بأن الله أراد منهم تبليغ الرسالة وخشية الله بتجنب ما نهى عنه ولم يكلفهم إشقاق نفوسهم بترك الطيبات التي يريدونها، ولا حجب وجدانهم عن إدراك الأشياء على ما هي عليه من حُسْن الحَسَن وقُبْح القَبيح، ولا عن انصراف الرغبة إلى تناول ما حَسُن لديهم إذا كان ذلك في حدود الإِباحة، ولا كلّفهم مراعاة ميول الناس ومصطلحاتهم وعوائدهم الراجعة إلى الحيدة بالأمور عن مناهجها فإن في تناولهم رغباتهم المباحة عوناً لهم على النشاط في تبليغ رسالات الله، ولذلك عقب بقوله: {ولا يخشون أحداً إلا الله}، أي لا يخشون أحداً خشية تقتضي فعل شيء أو تركه.
ثم إن جملة {الذين يبلغون} إلى آخرها يجوز أن تكون في موضع الصفة للذين خلوا من قبل، أي الأنبياء. وإذ قد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم متبع ما أذِن الله له اتباعه من سُنّة الأنبياء قبله عُلم أنه متصف بمضمون جملة {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} بحكم قياس المساواة، فعلم أن الخشية التي في قوله: {وتخشى الناس} [الأحزاب: 37] ليست خشية خَوف توجب ترك ما يكرهه الناس أو فعلَ ما يرغبونه بحيث يكون الناس محتسبين على النبي عليه الصلاة والسلام ولكنها توَقُّع أن يصدر من الناس وهم المنافقون ما يكرهه النبي عليه الصلاة والسلام ويدل لذلك قوله: {وكفى بالله حسيباً}، أي الله حسيب الأنبياء لا غيره.
هذا هو الوجه في سياق تفسير هذه الآيات، فلا تسلك في معنى الآية مسلكاً يفضي بك إلى توهم أن النبي صلى الله عليه وسلم حصلت منه خشية الناس وأن الله عرّض به في قوله: {ولا يخشون أحداً إلا الله} تصريحاً بعد أن عرّض به تلميحاً في قوله: {وتخشى الناس} [الأحزاب: 37] بل النبي عليه الصلاة والسلام لم يكترث بهم وأقدم على تزوج زينب، فكل ذلك قبل نزول هذه الآيات التي ما نزلت إلا بعد تزوج زينب كما هو صريح قوله: {زوّجناكها} [الأحزاب: 37] ولم يتأخر إلى نزول هذه الآية.
وإظهار اسم الجلالة في مقام الإضمار في قوله: {وكفى بالله حسيباً} حيث تقدم ذكره لقصد أن تكون هذه الجملة جارية مجرى المثل والحِكمة.
وإذ قد كان هذا وصف الأنبياء فليس في الآية مجال للاستدراك عليها بمسألة التقية في قوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [آل عمران: 28].
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.