ثم فصل جزاءه فيهم ، منطوقا ومفهوما ، فقال : { فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ } أي : الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } بالله وبرسله ، وما جاءوا به { فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } أي : لا نضيع سعيه ولا نبطله ، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة .
{ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ } أي : مثبتون له في اللوح المحفوظ ، وفي الصحف التي مع الحفظة . أي : ومن لم يعمل من الصالحات ، أو عملها وهو ليس بمؤمن ، فإنه محروم ، خاسر في دينه ، ودنياه .
( فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ، فلا كفران لسعيه ، وإنا له كاتبون ) .
هذا هو قانون العمل والجزاء . . لا جحود ولا كفران للعمل الصالح متى قام على قاعدة الإيمان . . وهو مكتوب عند الله لا يضيع منه شيء ولا يغيب .
ولا بد من الإيمان لتكون للعمل الصالح قيمته ، بل ليثبت للعمل الصالح وجوده . ولا بد من العمل الصالح لتكون للإيمان ثمرته ، بل لتثبت للإيمان حقيقته .
إن الإيمان هو قاعدة الحياة ، لأنه الصلة الحقيقية بين الإنسان وهذا الوجود ، والرابطة التي تشد الوجود بما فيه ومن فيه إلى خالقه الواحد ، وترده إلى الناموس الواحد الذي ارتضاه ، ولا بد من القاعدة ليقوم البناء . والعمل الصالح هو هذا البناء . فهو منهار من أساسه ما لم يقم على قاعدته .
والعمل الصالح هو ثمرة الإيمان التي تثبت وجوده وحيويته في الضمير . والإسلام بالذات عقيدة متحركة متى تم وجودها في الضمير تحولت إلى عمل صالح هو الصورة الظاهرة للإيمان المضمر . . والثمرة اليانعة للجذور الممتدة في الأعماق .
ومن ثم يقرن القرآن دائما بين الإيمان والعمل الصالح كلما ذكر العمل والجزاء . فلا جزاء على إيمان عاطل خامد لا يعمل ولا يثمر . ولا على عمل منقطع لا يقوم على الإيمان .
والعمل الطيب الذي لا يصدر عن إيمان إنما هو مصادفة عابرة ، لأنه غير مرتبط بمنهج مرسوم ، ولا موصول بناموس مطرد . وإن هو إلا شهوة أو نزوة غير موصولة بالباعث الأصيل للعمل الصالح في هذا الوجود . وهو الإيمان بإله يرضى عن العمل الصالح ، لأنه وسيلة البناء في هذا الكون ، ووسيلة الكمال الذي قدره الله لهذه الحياة . فهو حركة ذات غاية مرتبطة بغاية الحياة ومصيرها ، لا فلتة عابرة ، ولا نزوة عارضة ، ولا رمية بغير هدف ، ولا اتجاها معزولا عن اتجاه الكون وناموسه الكبير .
والجزاء على العمل يتم في الآخرة حتى ولو قدم منه قسط في الدنيا . فالقرى التي هلكت بعذاب الاستئصال ستعود كذلك حتما لتنال جزاءها الأخير ، وعدم عودتها ممتنعة ، فهي راجعة بكل تأكيد .
ثم فرق بين المحسن والمسيء فذكر المحسن بالوعد أي { فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن } فهو بنعيمه مجازى وذكر المسيء في قوله ، { حرام } إلى آخر الآية فتأمل الوعيد فيها على كل قول تذكرة فإنه بين ، و «الكفران » مصدر كالكفر ومنه قول الشاعر : [ الطويل ]
رأيت أناساً لا تنام جدودُهم . . . وجدي ولا كفران لله نائم{[1]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.