تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

{ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ } وهو الذي كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات وهن أحياء من غير سبب ، إلا خشية الفقر ، فتسأل :

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

ثم قال - تعالى - : { وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } ولفظ " الموءودة " من الوأد ، وهو دفن الطفلة الحية .

قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود : إذا أثقل . قال - تعالى - { وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا } لأنه إثقال بالتراب .

فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات ؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن ، أو الخوف من الإِملاق .

فإن قلت : فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذى قتلت به ؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها ؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، نحو التبكيت - لقوم عيسى - فى قوله - تعالى - لعيسى :

{ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله } أى : وإذا الموءودة سئلت ، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها ، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك .

ولا شك أنها لم ترتكب ما يوجب قتلها ، وإنما القصد من ذلك إلزام قائلها الحجة ، حتى يزداد افتضاحا على افتضاحه .

وقد حكى القرآن فى كثير من الآيات ، ما كان يفعله أهل الجاهلية من قتلهم للبنات ، ومن ذلك قوله - تعالى - : { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بالأنثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ . يتوارى مِنَ القوم مِن سواء مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ على هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التراب أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ } ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع قبائل العرب ، فقريش - مثلا - لم يعرف عنها ذلك وإنما عرف فى قبائل ربيعة ، وكنده ، وتميم . ولكنهم لما كانوا جميعا راضين عن هذا الفعل ، جاء الحكم عاما فى شأن أهل الجاهلية .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

1

وإذا الموءودة سئلت : بأي ذنب قتلت ? وقد كان من هوان النفس الإنسانية في الجاهلية أن انتشرت عادة وأد البنات خوف العار أو خوف الفقر . وحكى القرآن عن هذه العادة ما يسجل هذه الشناعة على الجاهلية ، التي جاء الإسلام ليرفع العرب من وهدتها ، ويرفع البشرية كلها . فقال في موضع : ( وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم . يتوارى من القوم من سوء ما بشر به . أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ? ألا ساء ما يحكمون ! ) . . وقال في موضع : وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا [ أي البنات ] ظل وجهه مسودا وهو كظيم . أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ? . . وقال في موضع ثالث : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) . .

وكان الوأد يتم في صورة قاسية . إذ كانت البنت تدفن حية ! وكانوا يفتنون في هذا بشتى الطرق . فمنهم من كان إذا ولدت له بنت تركها حتى تكون في السادسة من عمرها ، ثم يقول لأمها : طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها ! وقد حفر لها بئرا في الصحراء ، فيبلغ بها البئر ، فيقول لها : انظري فيها . ثم يدفعها دفعا ويهيل التراب عليها ! وعند بعضهم كانت الوالدة إذا جاءها المخاض جلست فوق حفرة محفورة . فإذا كان المولود بنتا رمت بها فيها وردمتها . وإن كان ابنا قامت به معها ! وبعضهم كان إذا نوى ألا يئد الوليدة أمسكها مهينة إلى أن تقدر على الرعي ، فيلبسها جبة من صوف أو شعر ويرسلها في البادية ترعى له إبله !

فأما الذين لا يئدون البنات ولا يرسلونهن للرعي ، فكانت لهم وسائل أخرى لإذاقتها الخسف والبخس . . كانت إذا تزوجت ومات زوجها جاء وليه فألقى عليها ثوبه . ومعنى هذا أن يمنعها من الناس فلا يتزوجها أحد فإن أعجبته تزوجها ، لا عبرة برغبتها هي ولا إرادتها ! وإن لم تعجبه حبسها حتى تموت فيرثها . أو أن تفتدي نفسها منه بمال في هذه الحالة أو تلك . . وكان بعضهم يطلق المرأة ويشترط عليها ألا تنكح غيره إلا من أراد . إلا أن تفتدي نفسها منه بما كان أعطاها . . وكان بعضهم إذا مات الرجل حبسوا زوجته على الصبي فيهم حتى يكبر فيأخذها . . وكان الرجل تكون اليتيمة في حجره يلي أمرها ، فيحبسها عن الزواج ، رجاء أن تموت امرأته فيتزوجها ! أو يزوجها من ابنه الصغير طمعا في مالها أو جمالها . .

فهذه كانت نظرة الجاهلية إلى المرأة على كل حال . حتى جاء الإسلام . يشنع بهذه العادات ويقبحها . وينهى عن الوأد ويغلظ فعلته . ويجعلها موضوعا من موضوعات الحساب يوم القيامة . يذكره في سياق هذا الهول الهائج المائج ، كأنه حدث كوني من هذه الأحداث العظام . ويقول : إن الموءودة ستسأل عن وأدها . . فكيف بوائدها ? !

وما كان يمكن أن تنبت كرامة المرأة من البيئة الجاهلية أبدا ؛ لولا أن تتنزل بها شريعة الله ونهجه في كرامة البشرية كلها ، وفي تكريم الإنسان : الذكر والأنثى ؛ وفي رفعه إلى المكان اللائق بكائن يحمل نفخة من روح الله العلي الأعلى . فمن هذا المصدر انبثقت كرامة المرأة التي جاء بها الإسلام ، لا من أي عامل من عوامل البيئة .

وحين تحقق ميلاد الإنسان الجديد باستمداد القيم التي يتعامل بها من السماء لا من الأرض ، تحققت للمرأة الكرامة ، فلم يعد لضعفها وتكاليف حياتها المادية على أهلها وزن في تقويمها وتقديرها . لأن هذه ليست من قيم السماء ولا وزن لها في ميزانها . إنما الوزن للروح الإنساني الكريم المتصل بالله . وفي هذا يتساوى الذكر والأنثى .

وحين تعد الدلائل على أن هذا الدين من عند الله ، وأن الذي جاء به رسول أوحي إليه . . تعد هذه النقلة في مكانة المرأة إحدى هذه الدلائل التي لا تخطئ . حيث لم تكن توجد في البيئة أمارة واحدة ينتظر أن تنتهي بالمرأة إلى هذه الكرامة ؛ ولا دافع واحد من دوافع البيئة وأحوالها الاقتصادية بصفة خاصة لولا أن نزل النهج الإلهي ليصنع هذا ابتداء بدافع غير دوافع الأرض كلها ، وغير دوافع البيئة الجاهلية بصفة خاصة . فأنشأ وضع المرأة الجديد إنشاء ، يتعلق بقيمة سماوية محضة وبميزان سماوي محض كذلك !

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

وإذا الموءودة المدفونة حية وكانت العرب تئد البنات مخافة الإملاق أو لحوق العار بهم من أجلهم سئلت .

بأي ذنب قتلت تبكيتا لوائدها كتبكيت النصارى بقوله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام ( أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ) وقرئ سألت أي خاصمت عن نفسها وسألت وإنما قيل قتلت على الإخبار عنها وقرئ قتلت على الحكاية .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

و { الموءودة } : اسم معناه المثقل عليها ، ومنه : { ولا يؤوده }{[11660]} [ البقرة : 255 ] ومنه أتأد ، أي توقد ، وأثقل وعرف هذا الاسم في النبات اللواتي كان قوم من العرب يدفنونهن أحياء يحفر الرجل شبه البر أو القبر ثم يسوق ابنته فيلقيها فيها ، وإذا كانت صغيرة جداً خدّ{[11661]} لها في الأرض ودفنها ، وبعضهم : كان يفعل ذلك خشية الإملاق وعدم المال ، وبعضهم : غيرة وكراهية للبنات وجهالة وقرأ الجمهور : «الموءودة » بالهمز من وأد في حرف ابن مسعود : «وإذا الماودة » ، وقرأ البزي : «الموودة » بهمزة مضمومة على الواو مثل " المعوذة " {[11662]} وقرأ بعض القراء : [ الموودة ] بضم الواو الأولى وتسهيل الهمزة ، وقرأ الأعمش : «الموْدة » بسكون الواو على وزن : الفعلة وقرأ بعض السلف : «الموَدّة » بفتح الواو والدال المشددة ، جعل البنت مودة ، وقرأ جمهور الناس : «سئلت » ، وهذا على وجه التوبيخ للعرب الفاعلين ذلك ، لأنها تسأل ليصير الأمر إلى سؤال الفاعل ، ويحتمل أن تكون مسؤولة عنها مطلوباً الجواب منهم ، كما قال تعالى : { إن العهد كان مسؤولاً }{[11663]} [ الإسراء : 34 ] ، وكما يسأل التراث والحقوق .

وقرأ ابن عباس وأبيّ بن كعب وجابر بن زيد وأبو الضحى ومجاهد وجماعة كثيرة منهم ابن مسعود والربيع ين خيثم : «سألت »


[11660]:من آية الكرسي، ورقمها 255 من سورة البقرة.
[11661]:خذ: حفر وشق.
[11662]:قال في البحر المحيط: "يحتمل أن تكون كقراءة الجمهور، ثم نقل حركة الهمزة إلى الواو بعد حذف الهمزة، ثم همز الواو المنقول إليها الحركة، ويحتمل أن يكون اسم مفعول من آد...".
[11663]:من الآية 34 من سورة الإسراء.