الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ} (8)

وأد يئد مقلوب من آد يؤد : إذا أثقل . قال الله تعالى : { وَلاَ يَؤُدُهُ حِفْظُهُمَا } [ البقرة : 255 ] ، لأنه إثقال بالتراب : كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها : ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية ؛ وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها : طيبيها وزينيها ، حتى أذهب بها إلى أحمائها ، وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب ، حتى تستوي البئر بالأرض .

وقيل : كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة ؛ فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت ابناً حبسته

فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات ؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهنّ . أو الخوف من الإملاق ، كما قال الله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إملاق } [ الإسراء : 31 ] ، وكانوا يقولون : إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به ، فهو أحق بهنّ . وصعصعة بن ناجية ممن منع الوأد ؛ فبه افتخر الفرزدق في قوله :

وَمِنَّا الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَاتِ *** فَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ تُوأَدِ

فإن قلت : فما معنى سؤال المؤودة عن ذنبها الذي قتلت به ؛ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها ؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها نحو التبكيت في قوله تعالى لعيسى : { أأنت قلت للناس . . . } إلى قوله : { . . . سبحانك مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقّ } [ المائدة : 116 ] ، وقرىء «سألت » ، أي : خاصمت عن نفسها ، وسألت الله أوقاتلها ؛ وإنما قيل { قُتِلَتْ } .