تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا }

لما ذكر أن من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، نهى عباده المؤمنين أن يتصفوا بهذه الحالة القبيحة ، وأن يشابهوا المنافقين ، فإن ذلك موجب لأن { تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } أي : حجة واضحة على عقوبتكم ، فإنه قد أنذرنا وحذرنا منها ، وأخبرنا بما فيها من المفاسد ، فسلوكها بعد هذا موجِب للعقاب .

وفي هذه الآية دليل على كمال عدل الله ، وأن الله لا يُعَذِّب أحدا قبل قيام الحجة عليه ، وفيه التحذير من المعاصي ؛ فإن فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين } .

أى : يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا يصح منكم ولا ينبغى لكم أن تتخذوا الكافرين بالحق الذى آمنتم به { أَوْلِيَآءَ } أى نصراء وأصدقاء ، تاركين ولاية إخوانكم المؤمنين ونصرتهم ، فإن ذلك لا يتفق مع الإِيمان ، ولا يتناسب مع تعاليم دينكم .

فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة الكفرة . أى : عن مناصرتهم وإفشاء أسرار المؤمنين إليهم ، وعن كل ما من شأنه أن يكون مضرة بالمؤمنين . كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وإلى الله المصير } .

وفى هذا النهى - أيضاً - توبيخ للمنافقين الذين ما زال الحديث متصلا عن قبائحهم ورذائلهم ، وتحذير من مسالكهم الخبيثة حيث كانوا يتركون ولاية المؤمنين وينضمون إلى صفوف الكافرين من اليهود وغيرهم ويقولون - مكا حكى القرآن عنهم - { نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } والاستفهام فى قوله : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } للإِنكار والتحذير من أن تقع هذه الموالاة منهم .

والمراد بالسلطان : الحجة والدليل أى : إنكم إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فقد جعلتم لله عليكم حجة فى عقابكم ، وفى تخليه عن نصرتكم ورعايتكم .

وتوجيه الإِنكار إلى الإِرادة دون متعلقها بأن يقال ، أتجعلون . للمبالغة فى التهويل من أمره ؛ ببيان أنه مما لا ينبغى أن تصدر عن العاقل إرادته ، فضلا عن صدوره فى نفسه .

قال بعضهم : وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين . قال الحاكم : وهى الموالاة فى الدين والنصرة فيه . لا المخالقه والإِحسان .

وقال الزمخشرى : وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له ؛ خالص المؤمن ، وخالق الكافر والفاجر . فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن . وأنه يحق عليكم أن تخالص المؤمن .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

135

وإلى هنا يكون السياق قد بلغ من إثارة الاشمئزاز والاحتقار والاستضعاف للمنافقين في نفوس المؤمنين مبلغا عظيما . . فيلتفت بالخطاب للمؤمنين محذرا إياهم أن يسلكوا طريق هؤلاء المنافقين . . وطريق المنافقين - كما سبق - هو اتخاذهم الكفار أولياء من دون المؤمنين . ويحذرهم بطش الله ونقمته ، كما يصور لهم مصير المنافقين في الآخرة . وهو مصير مفزع رعيب ، مهين كذلك ذليل :

( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين . أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ؟ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . ولن تجد لهم نصيرا . إلا الذين تابوا وأصلحوا ، واعتصموا بالله ، وأخلصوا دينهم لله . فأولئك مع المؤمنين . وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيمًا ) . .

إنها العودة إلى نداء الذين آمنوا ، بالصفة التي تفرقهم وتميزهم ممن حولهم . والتي بها يتميز منهجهم وسلوكهم وواقعهم . والتي بها يستجيبون للنداء كذلك ويطيعون التوجيهات .

نداء لهم بهذه الصفة أن يحذروا سلوك طريق المنافقين ، ويحذروا أن يتولوا الكفار من دون المؤمنين . . وهو نداء لا بد كانت هناك حاجة إليه في المجتمع المسلم يومذاك . حيث كانت الصلات ما تزال قائمة في المجتمع بين بعض المسلمين واليهود في المدينة ؛ وبين بعض المسلمين وقرابتهم في قريش - ولو من الناحية النفسية - ونقول " بعض المسلمين " لأن هناك البعض الآخر ؛ الذي فصم كل علاقاته بالمجتمع الجاهلي - حتى مع الآباء والأبناء - وجعل العقيدة وحدها هي آصرة التجمع ووشيجة الرحم ؛ كما علمهم الله .

وذلك البعض هو الذي كانت الحاجة قائمة لتنبيهه إلى أن هذا هو طريق النفاق والمنافقين - بعد تصوير النفاق والمنافقين تلك الصور الزرية المنفرة البغيضة - وتحذيره من التعرض لغضب الله وبطشه ونقمته : ( أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ؟ )

ولا يفرق قلب المؤمن ويرتجف أكثر من فرقة وارتجافة من التعرض لبطش الله ونقمته . . ومن ثم جاء التعبير في صورة الاستفهام . . ومجرد التلويح بالاستفهام يكفي في خطاب قلوب المؤمنين !

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

ينهى تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، يعني مصاحبتهم ومصادقتهم ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم ، وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم ، كما قال تعالى : { لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ } [ آل عمران : 28 ] أي : يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه . ولهذا قال هاهنا : { أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا } أي : حجة عليكم في عقوبته إياكم .

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة عن ابن عباس قوله : { سُلْطَانًا مُبِينًا } [ قال ]{[8516]} كل سلطان في القرآن حجة .

وهذا إسناد صحيح . وكذا قال مجاهد ، وعكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن كعب القُرَظي ، والضحاك ، والسدي والنضر بن عَرَبي .


[8516]:زيادة من أ.
 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

{ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } فإنه صنيع المنافقين ودينهم فلا تتشبهوا بهم ، { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا } حجة بينة فإن موالاتهم دليل على النفاق أو سلطانا يسلط عليكم عقابه .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

خطابه تعالى للمؤمنين ، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ، ففي اللفظ رفق بهم ، وهم المراد بقوله تعالى : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً } لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال ، والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ، ويقوي هذا المنزع قوله تعالى : { من دون المؤمنين } أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين ، بل المعنى : يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه .

و السلطان : الحجة ، وهي لفظة تؤنث وتذكر ، والتذكير أشهر ، وهي لغة القرآن حيث وقع{[4346]} ، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف ، والتقدير : ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس ، إذ هو مدبرهم ، والناظر في منافعهم .


[4346]:- هذا مخالف لما قاله الفراء، ونقله عنه أبو حيان في "البحر المحيط"، ونص كلامه: "أنث وذكر، وبعض العرب يقول: قضت به عليك السلطان، وقد أخذت فلانا السلطان، والتأنيث عند الفصحاء أكثر". اهـ، ثم قال أبو حيان: "فمن ذكّر ذهب به إلى البرهان والاحتجاج، ومن أنث ذهب به إلى الحجة، وإنما اختير التذكير على التأنيث" ولنا أن نؤيد كلام ابن عطية، فإن السلطان جاء مذكرا حيثما وقع كما قال، فإذا كانت الفاصلة هنا هي سبب التذكير فما سبب التذكير في الآيات الأخرى كقوله تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا}، {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا}، {ويعبدون من دون الله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار}؟ ليس لذلك من سبب إلا أن التذكير أفصح.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

أقبل على المؤمنين بالتحذير من موالاة الكافرين بعد أن شرح دخائلهم واستصناعهم للمنافقين لقصد أذى المسلمين ، فعَلِم السامع أنّه لولا عداوة الكافرين لهذا الدين لما كان النفاق ، وما كانت تصاريف المنافقين ، فقال : { يأيّها الذين آمنوا لا تتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } ، فهي استئناف ابتدائي ، لأنّها توجيه خطاب بعد الانتهاء من الإخبار عن المنافقين بطريق الغيبة . وهذه آية جامعة للتحذير من موالاة الكافرين . فالتحذير من موالاة الكافرين والمنافقين ، ومن الوقوع في النفاق ، لإن المنافقين تظاهروا بالإيمان ووالوا الكافرين تحذير من الاستشعار بشعار النفاق ، وتحذير من موالاة المنافقين الذين هم أولياء الكافرين ، وتشهير بنفاق المنافقين ، وتسجيل عليهم أن لا يقولوا : كنّا نجهل أنّ الله لا يحبّ موالاة الكافرين .

والظاهر أنّ المراد بالكافرين هنا مشركو مكة وأهل الكتاب من أهل المدينة ، لأنّ المنافقين كانوا في الأكثر موالين لأهل الكتاب .

وقوله : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً } استئناف بياني ، لأنّ النهي عن اتّخاذ الكافرين أولياء ممّا يبعث الناس على معرفة جزاء هذا الفعل مع ما ذكرناه من قصد التشهير بالمنافقين والتسجيل عليهم ، أي أنّكم إن استمررتم على موالاة الكافرين جعلتم لله عليكم سلطاناً مبيّناً ، أي حجّة واضحة على فساد إيمانكم ، فهذا تعريض بالمنافقين .

فالاستفهام مستعمل في معنى التحذير والإنذار مجازاً مرسلاً .

وهذا السلطان هو حجّة الرسول عليهم بأنّهم غير مؤمنين فتجري عليهم أحكام الكفر ، لأنّ الله عالم بما في نفوسهم لا يحتاج إلى حجّة عليهم ، أو أريد حجّة افتضاحهم يوم الحساب بموالاة الكافرين ، كقوله : { لئلاّ يكون للناس على الله حِجّة بعد الرسل } [ النساء : 165 ] . ومن هنا يجوز أيضاً أن يكون المراد من الحجّة قطع حجّة من يرتكب هذه الموالاة والإعذار إليه .