التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين } .

أى : يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا يصح منكم ولا ينبغى لكم أن تتخذوا الكافرين بالحق الذى آمنتم به { أَوْلِيَآءَ } أى نصراء وأصدقاء ، تاركين ولاية إخوانكم المؤمنين ونصرتهم ، فإن ذلك لا يتفق مع الإِيمان ، ولا يتناسب مع تعاليم دينكم .

فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة الكفرة . أى : عن مناصرتهم وإفشاء أسرار المؤمنين إليهم ، وعن كل ما من شأنه أن يكون مضرة بالمؤمنين . كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وإلى الله المصير } .

وفى هذا النهى - أيضاً - توبيخ للمنافقين الذين ما زال الحديث متصلا عن قبائحهم ورذائلهم ، وتحذير من مسالكهم الخبيثة حيث كانوا يتركون ولاية المؤمنين وينضمون إلى صفوف الكافرين من اليهود وغيرهم ويقولون - مكا حكى القرآن عنهم - { نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } والاستفهام فى قوله : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } للإِنكار والتحذير من أن تقع هذه الموالاة منهم .

والمراد بالسلطان : الحجة والدليل أى : إنكم إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فقد جعلتم لله عليكم حجة فى عقابكم ، وفى تخليه عن نصرتكم ورعايتكم .

وتوجيه الإِنكار إلى الإِرادة دون متعلقها بأن يقال ، أتجعلون . للمبالغة فى التهويل من أمره ؛ ببيان أنه مما لا ينبغى أن تصدر عن العاقل إرادته ، فضلا عن صدوره فى نفسه .

قال بعضهم : وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين . قال الحاكم : وهى الموالاة فى الدين والنصرة فيه . لا المخالقه والإِحسان .

وقال الزمخشرى : وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له ؛ خالص المؤمن ، وخالق الكافر والفاجر . فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن . وأنه يحق عليكم أن تخالص المؤمن .