اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

لما ذَمَّ المُنَافِقِين بأنَّهُم لم يَسْتقِرُّوا مع أحَد الطَّريقَين ، نَهَى المُسْلِمِين أن يَفْعَلُوا فِعْل المُنَافِقِين ؛ فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين } والسبب فيه : " أن الأنْصَار بالمدينَةِ كانت لَهُمْ [ في قُرَيْظَة ]{[10165]} رِضَاع وحِلْفٌ ومَوَدَّة ، فقالُوا : يا رسول الله ، مَنْ نَتَولَّى ؟ فقال : " المُهَاجِرِين " " ، فَنَزَلَتْ هذه الآية{[10166]} .

وقال القَفَّال - رحمه الله تعالى{[10167]} - : هذا نَهْيٌ للمُسلِمِين عن مُوالاةِ المُنافِقِين ، يقول{[10168]} : قد بَيَّنْتُ لكم أحْوَال هؤلاء المُنَافِقِين ومَذَاهِبهم ، فلا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أوْلِيَاء .

ثم قال : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } ، [ فإن حَمَلْنَاه على الأوَّلِ وهو نَهْي المُؤمنين عن مُوالاَةِ الكُفَّارِ ، كان المَعْنَى : أتُرِيدُونَ أن تَجْعَلُوا للَّه عليكم سُلْطَاناً مُبِيناً ]{[10169]} على كَوْنِكُم مُنَافِقِين ، المُرَاد أتُرِيدُون أن تجعلُوا لأهْلِ دين اللَّه وهم الرَّسُول وأمته ، وإن حَملْناهُ على المُنَافِقِين ، كان المَعْنَى : أتريدُون أن تَجْعَلُوا للَّه عليكم في عقَابِكُم حُجَّة ؛ بِسببِ مُوالاتِكُم مع المُنافِقِين .

قوله : " سُلْطَاناً " : السلطان يُذكَّرُ ويؤنث ، فتذكيرُه باعتبار البرهان ، وتأنيثه باعتبار الحُجَّة ، إلا أن التأنيثَ أكثرُ عند الفُصَحاء ، كذا قاله الفرَّاء ، وحكى : " قَضت عليْكَ السُّلطَانُ " و " أخذتْ فلاناً السُّلْطَانُ " وعلى هذا فكيف ذُكِّرت صفته ، فقيل : مبيناً دون : مبينة ؟ والجوابُ : أن الصفة هنا رأسُ فاصلة ، فلذلك عدلَ إلى التذكير ، دون التأنيث ، وقال ابن عطية ما يخالِفُ ما حكاه الفراء ؛ فإنه قال : " والتذكيرُ أشهرُ ، وهي لغةُ القرآنِ ؛ حيث وقع " . و " عَلَيْكُمْ " يجوزُ تعلُّقه بالجَعْلِ ، أو بمحذوفٍ على أنه حال من " سُلْطَاناً " لأنه صفة له في الأصل ، وقد تقدَّم نظيره .


[10165]:سقط في ب.
[10166]:تقدم.
[10167]:ينظر: تفسير الرازي 11/69.
[10168]:في ب: تقول.
[10169]:سقط في ب.