روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ ٱلۡكَٰفِرِينَ أَوۡلِيَآءَ مِن دُونِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ عَلَيۡكُمۡ سُلۡطَٰنٗا مُّبِينًا} (144)

{ يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين } نهى المؤمنين الصادقين عن موالاة الكفار اليهود فقط كما قيل أو ما يعمهم وغيرهم كما هو الظاهر بعد بيان حال المنافقين ، أي لا تتخذوهم أولياء فإن ذلك ديدن المنافقين ودينهم فلا تتشبهوا بهم ، وقيل : المراد بالذين آمنوا المنافقون وبالمؤمنين المخلصون ، فالآية نهي للمنافقين عن موالاة الكافرين دون الملخصين ؛ وقيل : المراد بالموصول المخلصون ، وبالكافرين المنافقون فكأنه قيل : قد بينت لكم أخلاق هؤلاء المنافقين فلا تتخذوا منهم أولياء ، وإلى ذلك ذهب القفال ، وفي كلا القولين بعد .

{ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ * سلطانا مُّبِيناً } أي حجة ظاهرة في العذاب ، وفيه دلالة على أن الله تعالى لا يعذب أحداً بمقتضى حكمته إلا بعد قيام الحجة عليه ، ويشعر بذلك كثير من الآيات ، وقيل : أتريدون بذلك أن تجعلوا له تعالى حجة بينة على أنكم موافقون( {[261]} ) فإن موالاة الكافرين أوضح أدلة النفاق . ومن الناس من أبقى السلطان على معناه المعروف ، لكن أخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال : كل سلطان في القرآن فهو حجة ، وهو مما يجوز فيه التذكير والتأنيث إجماعاً ، فتذكيره باعتبار البرهان أو باعتبار معناه المعروف ، والتأنيث باعتبار الحجة والتأنيث أكثر عند الفصحاء على ما قاله الفراء إلا أنه لم يعتبر هنا ، واعتبر التذكير لتحسن الفاصلة ، وادعى ابن عطية أن التذكير أشهر وهي لغة القرآن حيث وقع ، و { عَلَيْكُمْ } يجوز تعلقه بالجعل وبمحذوف وقع حالاً من { سلطانا } ، وتوجيه الإنكار إلى الإرادة دون متعلقها بأن يقال : أتجعلون الخ للمبالغة في إنكاره وتهويل أمره ببيان أنه مما لا يصدر عن العاقل إرادته فضلاً عن صدور نفسه .

/( هذا ومن باب الإشارة ) : { يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤمنين } لئلا تتعدى إليكم ظلمة كفرهم { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } [ النساء : 144 ] حجة ظاهرة فيعقابكم برسوخ الهيئة التي بها تميلون إلى ولايتهم


[261]:- قوله: "موافقون" وقوله بعده في صحيفة 178 في الحديث: "وإذا وعد غدر" كذا بخطه.