ولهذا أقسم بعده بالليالي العشر ، وهي على الصحيح : ليالي عشر رمضان ، أو [ عشر ] ذي الحجة ، فإنها ليال مشتملة على أيام فاضلة ، ويقع فيها من العبادات والقربات ما لا يقع في غيرها .
وفي ليالي عشر رمضان ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر ، وفي نهارها ، صيام آخر رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام .
وفي أيام عشر ذي الحجة ، الوقوف بعرفة ، الذي يغفر الله فيه لعباده مغفرة يحزن لها الشيطان ، فما رئي الشيطان أحقر ولا أدحر منه في يوم عرفة ، لما يرى من تنزل الأملاك والرحمة من الله لعباده ، ويقع فيها كثير من أفعال الحج والعمرة ، وهذه أشياء معظمة ، مستحقة لأن يقسم الله بها .
وأقسم - سبحانه - ثانيا بقوله : { وَلَيالٍ عَشْرٍ } والمراد بها : الليالى العشر الأُوَلى من شهر ذى الحجة ، لأنها وقت مناسك الحج ، ففيها الإِحرام ، والطواف ، والوقوف بعرفة . .
وقيل المراد بها : الليالى العشر الأواخر من رمضان وقيل : الليالى العشر الأُوَلى من شهر المحرم . .
قال الإِمام ابن كثير : والليالى العشر : المراد بها : عشر ذى الحجة . كما قاله ابن عباس وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف .
وقد ثبت فى صحيح البخارى ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أيام العمل الصالح ، أحب إلى الله - تعالى - فيهن ، من هذه الأيام " - يعنى : عشر ذو الحجة - قالوا : " ولا الجهاد فى سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد فى سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشئ " .
وقيل : المراد بذلك : العشر الأُوَل من المحرم . وقيل : العشر الأُوَل من رمضان والصحيح القول الأول . .
" وليال عشر " أطلقها النص القرآني ووردت فيها روايات شتى . . قيل هي العشر من ذي الحجة ، وقيل هي العشر من المحرم . وقيل هي العشر من رمضان . . وإطلاقها هكذا أوقع وأندى . فهي ليال عشر يعلمها الله . ولها عنده شأن . تلقي في السياق ظل الليلات ذات الشخصية الخاصة . وكأنها خلائق حية معينة ذوات أرواح ، تعاطفنا ونعاطفها من خلال التعبير القرآني الرفاف !
والليالي العشر : المراد بها عشر ذي الحجة . كما قاله ابن عباس ، وابن الزبير ، ومجاهد ، وغير واحد من السلف والخلف . وقد ثبت في صحيح البخاري ، عن ابن عباس مرفوعا : " ما من أيام العمل الصالح أحب إلى الله فيهن من هذه الأيام " - يعني عشر ذي الحجة - قالوا : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : " ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجلا خرج بنفسه وماله ، ثم لم يرجع من ذلك بشيء " {[30014]} .
وقيل : المراد بذلك العشر الأول من المحرم ، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد{[30015]} وقد روى أبو كُدَيْنة ، عن قابوس بن أبي ظِبْيان ، عن أبيه ، عن ابن عباس : { وَلَيَالٍ عَشْرٍ } قال : هو العشر الأول من رمضان .
والصحيح القول الأول ؛ قال الإمام أحمد :
حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا عَيَّاش بن عقبة ، حدثني خَير بن نُعَيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن العشر عشر الأضحى ، والوتر يوم عرفة ، والشفع يوم النحر " .
ورواه النسائي عن محمد بن رافع وعبدة بن عبد الله ، كل منهما عن زيد بن الحباب ، به{[30016]} ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، من حديث زيد بن الحباب ، به{[30017]} وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم ، وعندي أن المتن في رفعه نكارة ، والله أعلم .
وقوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ اختلف أهل التأويل في هذه الليالي العشر أيّ ليال هي ؟ فقال بعضهم : هي ليالي عشر ذي الحجة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا ابن أبي عديّ ، وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر ، عن عوف ، عن زرارة ، عن ابن عباس ، قال : إن اللياليَ العشر التي أقسم الله بها ، هي ليالي العشر الأول من ذي الحجة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَلَيالٍ عَشْرٍ : عشر الأضحى قال : ويقال : العشر : أولَ السنة من المحرم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وَهب ، قال : أخبرني عمر بن قيس ، عن محمد بن المرتفع ، عن عبد الله بن الزّبير وَلَيالٍ عَشْرٍ : أوّل ذي الحجة إلى يوم النحر .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا عوف ، قال : حدثنا زرارة بن أوفى ، قال : قال ابن عباس : إن الليالي العشر اللاتي أقسم الله بهنّ : هن الليالي الأُوَل من ذي الحجة .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة ، وهي التي وعد الله موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، قال : أخبرنا عاصم الأحول ، عن عكرِمة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن الأغرّ المنقريّ ، عن خليفة بن حصين ، عن أبي نصر ، عن ابن عباس وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر الأضحى .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : عشر ذي الحجة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : كنا نحدّث أنها عشر الأضحى .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثَور ، عن معمر ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد ، قال : ليس عمل في ليال من ليالي السنة أفضل منه في ليالي العشر ، وهي عشر موسى التي أتمّها الله له .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن أبي إسحاق ، عن مسروق ، قال : ليال العشر ، قال : هي أفضل أيام السنة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ، يقول : حدثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ يعني : عشر الأضحى .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَيالٍ عَشْرٍ قال : أوّل ذي الحجة وقال : هي عشر المحرّم من أوّله .
والصواب من القول في ذلك عندنا : أنها عشر الأضحى ، لإجماع الحجة من أهل التأويل عليه ، وأن عبد الله بن أبي زياد القَطْوانيّ :
حدثني قال : ثني زيد بن حباب ، قال : أخبرني عياش بن عقبة ، قال : ثني جُبير بن نعيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «والفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ ، قال : عَشْرُ الأَضْحَى » .
واختلف الناس في «الليالي العشر » فقال بعض الرواة : هي العشر الأولى من رمضان ، وقال الضحاك وابن عباس : هي العشر الأواخر من رمضان ، وقال بنان وجماعة من المتأولين : هي العشر الأولى من المحرم ، وفيه يوم عاشوراء ، وقال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي وعطية العوفي وابن الزبير رضي الله عنه : هي عشر ذي الحجة ، وقال مجاهد : هي عشر موسى التي أتمها الله له ، وقرأ الجمهور «وليالٍ » ، وقرأ بعض القراء «وليالي عشر » بالإضافة وكأن هذا على أن العشر مشار إليه معين بالعلم به ، ثم وقع القسم بلياليه فكأن العشر اسم لزمه حتى عومل معاملة الفرد ، ثم وصف ومن راعى فيه الليالي قال العشر الوسط .