والقسم الثاني : الذين قبلوا النذارة ، وقد ذكرهم بقوله : { إِنَّمَا تُنْذِرُ } أي : إنما تنفع نذارتك ، ويتعظ بنصحك { مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } [ أي : ] من قصده اتباع الحق وما ذكر به ، { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ } أي : من اتصف بهذين الأمرين ، القصد الحسن في طلب الحق ، وخشية اللّه تعالى ، فهم الذين ينتفعون برسالتك ، ويزكون بتعليمك ، وهذا الذي وفق لهذين الأمرين { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } لذنوبه ، { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } لأعماله الصالحة ، ونيته الحسنة .
ثم بين - سبحانه - من هم أهل للتذكير فقال : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر } .
أى : إنما تنذر - أيها الرسول الكريم - إنذارا نافعا ، أولئك الذين اتبعوا إرشادات القرآن الكريم وأوامره ونواهيه . . .
وينفع إنذارك - أيضا - مع من { وَخشِيَ الرحمن بالغيب } أى : مع من خاف عقاب الرحمن دون أن يرى هذا العقاب ، ودون أن يرى الله - تعالى - الذى له الخلق والأمر .
هؤلاء هم الذين ينفع معهم الإِنذار والتذكير والإِرشاد ، لأنهم فتحو قلوبهم للحق ، واستجابوا له .
والفاء فى قوله : { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } لترتيب البشارة أو الأمر بها ، على ما قبلها من اتباع الذكر والخشية .
أى : فبشر - أيها الرسول الكريم - هذا النوع من الناس ، بمغفرة عظيمة منا لذنوبهم ، وبأجر كريم لا يعلم مقداره أحد سوانا .
( إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب ، فبشره بمغفرة وأجر كريم ) . .
والذكر يراد به هنا القرآن - على الأرجح - والذي اتبع القرآن ، وخشي الرحمن دون أن يراه ، هو الذي ينتفع بالإنذار ، فكأنه هو وحده الذي وجه إليه الإنذار . وكأنما الرسول صلى الله عليه وسلم قد خصه به ، وإن كان قد عمم . إلا أن أولئك حيل بينهم وبين تلقيه ، فانحصر في من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب . وهذا يستحق التبشير بعد انتفاعه بالانذار : ( فبشره بمغفرة وأجر كريم ) . . المغفرة عما يقع فيه من الخطايا غير مصر . والأجر الكريم على خشية الرحمن بالغيب ، واتباعه لما أنزل الرحمن من الذكر . وهما متلازمان في القلب . فما تحل خشية الله في قلب إلا ويتبعها العمل بما أنزل . والاستقامة على النهج الذي أراد .
{ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ } أي : إنما ينتفع بإنذارك المؤمنون الذين يتبعون الذكر ، وهو القرآن العظيم ، { وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ } أي : حيث لا يراه أحد إلا الله ، يعلم أن الله مطلع عليه ، وعالم بما يفعله ، { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } أي : لذنوبه ، { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } أي : كبير واسع حسن جميل ، كما قال : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [ الملك : 12 ] .
وقوله : إنّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ الذّكْرَ يقول تعالى ذكره : إنما ينفع إنذارك يا محمد من آمن بالقران ، واتبع ما فيه من أحكام الله وَخَشِيَ الرّحْمَنَ يقول : وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين ، لا المنافق الذي يستخفّ بدين الله إذا خلا ، ويظهر الإيمان في الملأ ، ولا المشرك الذي قد طبع الله على قلبه . وقوله : فَبشّرْهُ بِمغْفِرَةٍ يقول : فبشر يامحمد هذا الذي اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب بمغفرة من الله لذنوبه وأجْرٍ كَرِيم يقول : وثواب منه له في الاَخرة كريم ، وذلك أن يعطيه على عمله ذلك الجنة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة إنّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتّبَعَ الذّكْرَ واتباع الذكر : اتباع القرآن .
وقوله { إنما تنذر } ليس على جهة الحصر ب { إنما } بل على تجهة تخصيص من ينفعه الإنذار ، و «اتباع الذكر » هو العمل بما في كتاب الله تعالى والاقتداء به ، قال قتادة : { الذكر } القرآن وقوله تعالى : { بالغيب } أي بالخلوات عند مغيب الإنسان عن عيون البشر ، ثم قال تعالى { فبشره } فوحد الضمير مراعاة للفظ من ، و «الأجر الكريم » هو كل ما يأخذه الأجير مقترناً بحمد على الأحسن وتكرمة ، وكذلك هي للمؤمنين الجنة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.