تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

فلما أقسم تعالى على رسالته وأقام الأدلة عليها ، ذكر شدة الحاجة إليها واقتضاء الضرورة لها فقال : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } وهم العرب الأميون ، الذين لم يزالوا خالين من الكتب ، عادمين الرسل ، قد عمتهم الجهالة ، وغمرتهم الضلالة ، وأضحكوا عليهم وعلى سفههم عقول العالمين ، فأرسل اللّه إليهم رسولا من أنفسهم ، يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ، فينذر العرب الأميين ، ومن لحق بهم من كل أمي ، ويذكر أهل الكتب بما عندهم من الكتب ، فنعمة اللّه به على العرب خصوصا ، وعلى غيرهم عموما .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

ثم بين - سبحانه - الحكمة من إرساله لنبيه صلى الله عليه وسلم - فقال : { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } .

واللام فى قوله : { لِتُنذِرَ } متعلقة بفعل مضمر يدل عليه قوله : { إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين } .

والإنذار : إخبار معه تخويف فى مدة تتسع للتحفظ من الخوف ، فإن لم تتسع له فهو إعلام وإشعار لا إنذار . وأكثر ما يستعمل فى القرآن فى التخويف من عذاب الله - تعالى - .

والمراد بالقوم : كفار مكة الذين بعث النبى صلى الله عليه وسلم لإنذارهم ، وهذا لا يمنع أن رسالته عامة إلى الناس جميعا ، كما قال - تعالى - : { قُلْ ياأيها الناس إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعاً . . . } و { ما } نافية ، والمراد بآبائهم : آباؤهم الأقربون ، لأن آباءهم الأبعدون قد أرسل الله - تعالى - إليهم إسماعيل - عليه السلام - .

أى : أرسلناك - يا محمد - بهذه الرسالة من لدنا ، لتنذر قوما ، وهم قريش المعاصرون لك ، ولم يسبق لهم أو لآبائهم أن جاءهم نذير منا يحذرهم من سوء عاقبة الإِشراك بالله - تعالى - فهم لذلك غافلون عما يجب عليهم نحو خالقهم من إخلاص العبادة له ، وطاعته فى السر والعلن .

قال ابن كثير : قوله { لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } يعنى بهم العرب ، فإنه ما أتاهم من نذير من قبله . وذكرهم وحدهم لا ينفى من عداهم ، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفى العموم ، الذى وردت به الآيات والأحاديث المتواترة . . .

وقال الجمل ما ملخصه : قوله { لِتُنذِرَ قَوْماً . . . } أى العرب وغيرهم وقوله { مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ } أى الأقربون ، إلا فآباؤهم الأبعدون قد أنذروا فآباء العرب الأقدمون أنذورا بإسماعيل ، وآباء غيرهم أنذروا بعيسى .

. و " ما " نافية ، لأن قريشا لم يبعث إليهم نبى قبل نبينا صلى الله عليه وسلم فالجملة صفة لقوله { قوما } أى : قوما لم تنذروا . وقوله { فَهُمْ غَافِلُونَ } مرتب على الإِنذار . . .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

فأما حكمة هذا التنزيل فهي الإنذار والتبليغ :

( لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم فهم غافلون ) . .

والغفلة أشد ما يفسد القلوب . فالقلب الغافل قلب معطل عن وظيفته . معطل عن الالتقاط والتأثر والاستجابة . تمر به دلائل الهدى أو يمر بها دون أن يحسها أو يدركها . ودون أن ينبض أو يستقبل . ومن ثم كان الإنذار هو أليق شيء بالغفلة التي كان فيها القوم ، الذين مضت الأجيال دون أن ينذرهم منذر ، أو ينبههم منبه . فهم من ذرية إسماعيل ولم يكن لهم بعده من رسول . فالإنذار قد يوقظ الغافلين المستغرقين في الغفلة ، الذين لم يأتهم ولم يأت آباءهم نذير .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

وقوله تعالى : { لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ } يعني بهم : العرب ؛ فإنه ما أتاهم من نذير من قبله . وذكرهم وحدهم لا ينفي مَنْ عداهم [ كما زعمه بعض النصارى ]{[24663]} ، كما أن ذكر بعض الأفراد لا ينفي العموم . وقد تقدم ذكر الآيات والأحاديث المتواترة في عموم بعثته ، صلوات الله وسلامه عليه ، عند قوله تعالى : { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا } [ الأعراف : 158 ] .


[24663]:- زيادة من أ.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

القول في تأويل قوله تعالى : { لِتُنذِرَ قَوْماً مّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقّ الْقَوْلُ عَلَىَ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } .

اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فقال بعضهم : معناه : لتنذر قوما ما أنذر الله من قبلهم من آبائهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شُعْبة ، عن سِماك ، عن عكرمة في هذه الاَية : لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قال : قد أنذروا .

وقال آخرون : بل معنى ذلك لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة لِتُنْذِرَ قَوْما ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ قال بعضهم : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم من إنذار الناس قبلهم . وقال بعضهم : لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم : أي هذه الأمة لم يأتهم نذير ، حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم .

واختلف أهل العربية في معنى «ما » التي في قوله : ما أُنْذرَ آباؤُهُمْ إذا وُجّه معنى الكلام إلى أن آباءهم قد كانوا أنذروا ، ولم يُرد بها الجحد ، فقال بعض نحويّي البصرة : معنى ذلك : إذا أريد به غير الجحد لتنذرهم الذي أُنذر آباؤهم فَهُمْ غافِلُونَ . وقال : فدخول الفاء في هذا المعنى لا يجوز ، والله أعلم . قال : وهو على الجحد أحسن ، فيكون معنى الكلام : إنك لمن المرسلين إلى قوم لم ينذر آباؤهم ، لأنهم كانوا في الفترة .

وقال بعض نحويّي الكوفة : إذا لم يرد بما الجحد ، فإن معنى الكلام : لتنذرهم بما أنذر آباؤهم ، فتلقى الباء ، فتكون «ما » في موضع نصب فَهُمْ غافِلُونَ يقول : فهم غافلون عما الله فاعل : بأعدائه المشركين به ، من إحلال نقمته ، وسطوته بهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

{ لتنذر قوما } متعلق ب { تنزيل } أو بمعنى { لمن المرسلين } . { ما أنذر آباؤهم } قوما غير منذر آباؤهم يعني آباءهم الأقربين لتطاول مدة الفترة ، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله ، أو الذي انذر به أو شيئا أنذر به آباؤهم الأبعدون ، فيكون مفعولا ثانيا { لتنذر } أو إنذار آبائهم على المصدر . { فهم غافلون } متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين ، أو بقوله { إنك لمن المرسلين } على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمۡ فَهُمۡ غَٰفِلُونَ} (6)

اختلف المفسرون في قوله { ما أنذر } ، فقال عكرمة { ما } بمعنى الذي ، والتقدير الشيء الذي أنذره الآباء من النار والعذاب ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية على هذا القول من أن الآباء أنذروا . أي : ما أنذر آباؤهم{[9769]} ،

قال القاضي أبو محمد : ف «الآباء » على هذا كله هم الأقدمون على مر الدهر{[9770]} ، وقوله تعالى : { فهم } ، مع هذا التأويل بمعنى فإنهم دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة ، وقال قتادة { ما } نافية أي أن آباءهم لم ينذروا ، فالآباء على هذا هم القريبون منهم ، وهذه الآية كقوله تعالى : { وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير }{[9771]} [ سبأ : 44 ] ، وهذه النذارة المنفية هي نذارة المباشرة والأمر والنهي ، وإلا فدعوة الله تعالى من الأرض لم تنقطع قط ، وقوله { فهم } على هذا ، الفاء منه واصلة بين الجملتين ، ورابطة للثانية بالأولى{[9772]} .


[9769]:المراد أن [ما] مع الفعل مصدر، والمعنى: لتنذر قوما إنذار آبائهم.
[9770]:نقل صاحب (البحر المحيط) كلام ابن عطية هنا، وفيه زيادة عن الأصول التي معنا حيث قال:"هم الأقدمون من ولد إسماعيل عليه السلام، وكانت النذارة فيهم، و[فهم]-على هذا التأويل- بمعنى: فإنهم، دخلت الفاء لقطع الجملة من الجملة الواقعة صلة، فتتعلق بقوله:{إنك لمن المرسلين}، كما تقول: أرسلتك إلى فلان لتنذر فإنه غافل، أو فهو غافل".
[9771]:من الآية(44) من سورة(سبأ).
[9772]:قال أبو حيان في (البحر المحيط):"وقوله تعالى:{ما أنذر آباؤهم} في موضع الصفة، وقوله:{فهم غافلون} متعلق بالنفي، أي: لم ينذروا فهم غافلون، على أن عدم إنذارهم هو سبب غفلتهم، وباعتبار الآباء في القدم والقرب يزول التعارض بين الإنذار ونفيه".