ثم كرر إحاطة ملكه لما في السماوات وما في الأرض ، وأنه على كل شيء وكيل ، أي : عالم قائم بتدبير الأشياء على وجه الحكمة ، فإن ذلك من تمام الوكالة ، فإن الوكالة تستلزم العلم بما هو وكيل عليه ، والقوة والقدرة على تنفيذه وتدبيره ، وكون ذلك التدبير على وجه الحكمة والمصلحة ، فما نقص من ذلك فهو لنقص بالوكيل ، والله تعالى منزه عن كل نقص .
ثم أكد - سبحانه - هيمنته على هذا الكون وملكيته له فقال : { وَللَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض وكفى بالله وَكِيلاً } .
أى : ولله - تعالى - وحده ما فى السماوات وما فى الأرض ملكا وتصرفا وإيجادا وإعداما . وإحياء وإماتة . وكفى بالله - تعالى - وكيلا فى تدبير أمرو خلقه ، وحفظه لمصالحهم .
والوكيل هو القيم والكفيل بالأمر الذى يوكل إليه .
وقد ذكر - سبحانه - فى هاتين الآيتين ملكيته لما فى السماوات ومافى الأرض ثلاث مرات ، تأكيد العظم سلطانه وقدرته وسعة غناه ورحمته ، حتى ترسخ فى نفوس الناس تقواه وخشيته .
قال القرطبى : فإن قال قائل : ما فائدة هذا التكرار ؟ فعنه جوابان :
أحدهما : أنه كرر تأكيدا ليتنبه العباد وينظروا ما فى ملكوته وأنه غنى عن العالمين .
الجواب الثانى : أنه كرر لفوائد : فأخبر فى الأول أن الله - تعالى - يغنى كلا من سعته لأن له ما فى السماوات وما فى الأرض فلا تنفد خزائنه . ثم قال : أوصيناكم وأهل الكتاب بالتقوى وإن تكفروا فإن غنى عنكم لأن له ما فى السماوات والأرض . ثم أعلم فى الثالث بحفظ خلقه وتدبيره إياهم بقوله { وكفى بالله وَكِيلاً } ، لأن له ما فى السماوات وما فى الأرض . . .
{ وَللّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَىَ بِاللّهِ وَكِيلاً } . .
يعني بذلك جلّ ثناؤه : ولله ملك جميع ما حوته السموات والأرض ، وهم القيم بجميعه ، والحافظ لذلك كله ، لا يعزب عنه علم شيء منه ، ولا يئوده حفظه وتدبيره . كما :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا هشام ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن قتادة : { وكَفَى باللّهِ وَكيلاً } قال : حفيظا .
فإن قال قائل : وما وجه تكرار قوله : { ولِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ وما فِي الأرْضِ } في آيتين إحداهما في إثر الأخرى ؟ قيل : كرّر ذلك لاختلاف معنى الخبرين عما في السموات والأرض في الاَيتين ، وذلك أن الخبر عنه في إحدى الاَيتين ذكر حاجته إلى بارئه وغنى بارئه عنه ، وفي الأخرى حفظ بارئه إياه به وعلمه به وتدبيره . فإن قال : أفلا قيل : وكان الله غنيا حميدا وكفى بالله وكيلاً ؟ قيل : إن الذي في الاَية التي قال فيها : { وكانَ اللّهُ غَنِيّا حَمِيدا } مما صلح أن يختم ما ختم به من وصف الله بالغني وأنه محمود ولم يذكر فيها ما يصلح أن يختم بوصفه معه بالحفظ والتدبير ، فلذلك كرّر قوله : { ولِلّهِ ما فِي السّمَوَاتِ وَما فِي الأرْضِ } .
ثم جاء بعد ذلك قوله { ولله ما في السماوات وما في الأرض ، وكفى بالله وكيلاً } مقدمة للوعيد ، فهذه وجوه تكرار هذا الخبر الواحد ثلاث مرات متقاربة . وقوله تعالى { ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } لفظ عام لكل من أوتيَ كتاباً ، فإن وصية الله تعالى عباده بالتقوى لم تزل منذ أوجدهم ، و «الوكيل » : القائم بالأمور المنفذ فيها ما رآه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.