السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (132)

{ ولله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً } أي : شهيداً بأنّ ما فيهما له .

فإن قيل : ما فائدة تكرير لله ما في السماوات وما في الأرض ؟ أجيب : بأنّ لكل واحدة منها وجهاً أمّا الأوّل : فمعناه لله ما في السماوات وما في الأرض وهو يوصيكم بالتقوى فاقبلوا وصيته ، وأمّا الثاني : فمعناه لله ما في السماوات وما في الأرض وكان الله غنياً حميداً أي : هو الغنيّ المطلق فاطلبوا منه ما تطلبون فإنه لا ينفد ما عنده ، وأمّا الثالث : فمعناه لله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً ولا تتوكلوا على غيره فذكرت كل مرّة دليلاً على شيء غير الذي قبله ، وكررت ؛ لأنّ الدليل الواحد إذا كان دالاً على مدلولات يحسن أن يستدل به على كل واحد منها وإعادته مع كل واحد أولى من الاكتفاء بذكره مرّة واحدة ؛ لأنّ إعادته تحضر في الذهن ما يوجب العلم بالمدلول فيكون العلم الحاصل بذلك المدلول أقوى وأجل ، وفي ختم كل جملة بصفة من الصفات الحسنى تنبيه الذهن بها إلى أنّ هذا الدليل محتوٍ على أسرار شريفة ومطالب جليلة لا تنحصر ، فيجتهد السامع في التفكّر لإظهار الأسرار والاستدلال على صفات الكمال ؛ لأنّ الغرض الكلي من هذا الكتاب صرف العقول والأفهام عن الاشتغال بغير الله إلى الاستغراق في معرفته سبحانه وتعالى ، وهذا التكرير مما يفيد حصول هذا المطلوب ويؤكده .