الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (132)

جاء قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض وكفى بالله وَكِيلاً }[ النساء :132 ] مقدِّمة للوعيد ، فهذه وجوهُ تَكْرَارِ هذا الخبرِ الواحدِ ، ثلاثَ مرَّاتٍ متقاربةٍ .

( ت ) : وفي تمشيته هذه عندي نَظَرٌ ، والأحْسَنُ بقاءُ الكلامِ على نَسَقِهِ ، فقوله ( رحمه اللَّه ) : تَنْبِيه على مَوْضِعِ الرَّجَاءِ لهذين المفترقَيْن حَسَنٌ ، وإنما الذي فيه قَلَقٌ ما بعده من توجيهه .

( ت ) : قال الأستاذ أبو بَكْرٍ الطَّرْطُوشِيُّ في «سِرَاجِ المُلُوكِ » : ولما ضَرَبَ ابْنُ مُلْجِمٍ عليًّا ( رضي اللَّه عنه ) أُدْخِلَ منزلَهُ ، فاعترته غشيةٌ ، ثم أفاقَ ، فَدَعَا أولادَهُ ، الحَسَنَ ، والحُسَيْنَ ، ومحمَّداً ، فقال : أوصيكُمْ بتقْوَى اللَّهِ فِي الغَيْبِ والشهادةِ ، وكلمةِ الحقِّ في الرضَا والغَضَب ، والقَصْدِ في الغنى والفَقْر ، والعَدْلِ عَلَى الصديقِ والعَدُوِّ ، والعملِ في النشاطِ والكَسَل ، والرضا عن اللَّه في الشدَّة والرخَاءِ ، يا بَنِيَّ ، ما شَرٌّ بعْدَهُ الجَنَّةُ بِشَرٍّ ، وَلاَ خَيْرٌ بَعْدَهُ النَّارُ بِخَيْرٍ ، وكلُّ نَعِيمٍ دُونَ الجَنَّةِ حَقِيرٌ ، وَكُلُّ بَلاَءٍ دُونَ النَّارِ عافيةٌ ، مَنْ أَبْصَرَ عَيْبَ نفسِهِ شُغِلَ عَنْ عَيْبِ غيره ، ومَنْ رَضِيَ بقَسم اللَّهِ لم يَحْزَنْ على ما فاته ، ومَنْ سَلَّ سيْفَ بَغْيٍ قُتِلَ به ، ومَنْ حَفَر لأخيهِ بِئْراً وقَعَ فيها ، ومَنْ هَتَكَ حجابَ أخِيهِ ، كَشَفَ اللَّهُ عوراتِ بَنِيهِ ، ومَنْ نَسِيَ خطيئته ، استعظم خَطِيئَةَ غَيْره ، ومَنِ استغنى بعقله زَلَّ ، وَمَنْ تكبَّر على الناس ذَلَّ ، ومَنْ أُعْجِبَ برأْيه ضَلَّ ، ومَنْ جالَسَ العلماء وُقِّرَ ، ومَنْ خَالَطَ الأَنْذَالَ احتُقر ، ومَنْ دَخَل مَدَاخلَ السُّوء اتهم ، ومَنْ مَزَحَ استخف بِهِ ، ومَنْ أكْثَرَ مِنْ شيءٍ عُرِفَ به ، ومَنْ كثُر كلامه كَثُرَ خَطَأهُ ، ومن كثر خَطَأُهُ قل حياؤه ، ومن قَلَّ حياؤه قَلَّ ورعُهُ ، ومَنْ قَلَّ وَرَعُهُ ماتَ قلبه ، ومَنْ مات قلبه دخَلَ النار ، يَا بَنِيَّ ، الأدَبُ خَيْرُ ميراثٍ ، وحُسْنُ الخُلُقِ خَيْرُ قَرِينٍ ، يا بَنِيَّ العافيةُ عَشَرَةُ أجزاءٍ ، تسْعَةٌ منها في الصَّمْتِ إلاَّ عَنْ ذكر اللَّهِ ، وواحدٌ في ترك مُجَالَسَةِ السُّفَهاء ، يَا بَنِيَّ ، زِينَةُ الفَقْر الصَّبْرُ ، وزِينَةُ الغِنَى الشُّكْرُ ، يا بَنِيَّ ، لا شَرَفَ أعَزُّ من الإسلام ، وَلاَ كَرَمَ أعَزُّ من التقوى ، يا بَنِيَّ ، الحِرْصُ مفتاحُ البَغْيِ ، ومطيَّةُ النَّصَبِ ، طوبى لمن أخْلَصَ للَّه عَمَلَهُ وعِلْمَهُ ، وحُبَّهُ وَبُغْضَهُ ، وأَخْذَهُ وتَرْكَهُ ، وكَلاَمَهُ وَصَمْتَهُ ، وقَوْلَهُ وفِعْلَهُ ، انتهى .

والوكيلُ : القائمُ بالأمورِ ، المُنَفِّذُ فيها ما رآه .