اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلًا} (132)

قوله : { وَللَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } ، قال عكرمة ، عن{[14]} ابن عبَّاسٍ : يعني : شهيداً أنَّ فيها عَبِيداً .

وقيل : دَافِعاً ومُجِيراً .

فإن قيل : ما فَائِدة التَّكْرَار في قوله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } .

فالجواب : أنَّ لكل منها وجه :

أما الأول : معناه : للَّه مَا فِي السماوات وما فِي الأرض ، وهو يُوصِيكم بالتَّقْوَى ، فاقْبَلُوا وصِيَّتَه .

والثاني : [ يقول : ]{[15]} لله ما في السماوات وما في الأرض ، وكان الله غَنِيّاً ، أي : هو الغَنِيُّ ، وله المُلْكُ ، فاطْلُبَوا منه ما تَطْلُبُون .

والثالث : يقول { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً } ، أي : له المُلْك ؛ فاتَّخِذُوه وَكِيلاً ، ولا تتوكَّلُوا على غَيْرِه .

[ و ]{[16]} قال القُرْطُبِي{[17]} : وفائدة التَّكْرَار من وجهين :

الأول : أنه كَرَّر تأكيداً ؛ لتنبيه العِبَاد ، ولينظروا في مُلْكه ومَلكُوته ، أنه غَنِيٌّ عن خَلقهِ .

والثاني : أنه كرَّر لفوائد : فأخبر في الأوَّل ، أنَّ الله يُغْنِي كُلاًّ من سَعَتهِ ؛ لأن لَهُ مَا في السماوات وما في الأرض ، [ فلا تَنْفدُ خَزَائِنُه ، ثم قال : أوْصيْناكُم وأهْلَ الكِتَاب بالتَّقْوى ، وإن تَكْفُروا ، فإنَّه غَنِيٌّ عنكم ؛ لأنَّ له ما في السماوات وما في الأرض ]{[18]} ثم أعْلم في الثَّالث : بحفظ خَلْقِه ، وتدبيره إيَّاهُم بقوله : { وكفى باللَّهِ وكِيلاً } ؛ لأن له ما في السماوات وما في الأرض ، ولم يَقُل : مَنْ في السَّموات ؛ لأن في السَّموات والأرض من يَعْقِل ، ومَن لا يَعْقِل .


[14]:قال سيبويه في الكتاب 3/265 وزعم من يوثق به: أنه سمع من العرب من يقول: "ثلاثة أربعه" طرح همزة أربعه على الهاء ففتحها، ولم يحولها تاء لأنه جعلها ساكتة والساكن لا يتغير في الإدراج، تقول: اضرب، ثم تقول: اضرب زيدا.
[15]:ينظر: الكتاب 4/ 166.
[16]:ينظر: الدر المصون 2/35.
[17]:ينظر: السبعة 200، والكشف 1/334، والحجة، 3/6 والبحر المحيط 2/389، والدر المصون 2/5.
[18]:قال سيبويه 3/25 "فإن قلت: ما بالي أقول: واحد اثنان، فأشم الواحد، ولا يكون ذلك في هذه الحروف فلأن الواحد اسم متمكن، وليس كالصوت، وليست هذه الحروف مما يدرج وليس أصلها الإدراج...".