ثم ذكر دليلا رابعا فقال : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ } على سعتهما وعظمهما { بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ } أي : [ أن ] يعيدهم [ بأعيانهم ] . { بَلَى } قادر على ذلك ، فإن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس . { وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } وهذا دليل خامس ، فإنه تعالى الخلاق ، الذي جميع المخلوقات ، متقدمها ومتأخرها ، صغيرها وكبيرها ، كلها أثر من آثار خلقه وقدرته ، وأنه لا يستعصي عليه مخلوق أراد خلقه .
ثم يستطرد في عرض دلائل القدرة وتبسيط قضية الخلق والإعادة للبشر أجمعين :
( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? بلى وهو الخلاق العليم ) . .
والسماوات والأرض خلق عجيب هائل دقيق . . هذه الأرض التي نعيش عليها ويشاركنا ملايين الأجناس والأنواع ، ثم لا نبلغ نحن شيئاً من حجمها ، ولا شيئاً من حقيقتها ، ولا نعلم عنها حتى اليوم إلا القليل . . هذه الأرض كلها تابع صغير من توابع الشمس التي تعيش أرضنا الصغيرة على ضوئها وحرارتها . . وهذه الشمس واحدة من مائة مليون في المجرة الواحدة التي تتبعها شمسنا ، والتي تؤلف دنيانا القريبة ! وفي الكون مجرات أخرى كثيرة . أو دنييات كدنيانا القريبة . عد الفلكيون حتى اليوم منها مائة مليون مجرة بمناظيرهم المحدودة . وهم في انتظار المزيد كلما أمكن تكبير المناظير والمراصد . وبين مجرتنا أو دنيانا والمجرة التالية لها نحو خمسين وسبع مائة ألف سنة ضوئية [ السنة الضوئية تقدر بستة وعشرين مليون مليون من الأميال ! ] . . وهناك كتل ضخمة من السدم التي يظن أنه من نثارها كانت تلك الشموس . وهذا هو الجزء الذي يدخل في دائرة معارفنا الصغيرة المحدودة !
تلك الشموس التي لا يحصيها العد . لكل منها فلك تجري فيه . ولمعظمها توابع ذات مدارات حولها كمدار الأرض حول الشمس . . وكلها تجري وتدور في دقة وفي دأب . لا تتوقف لحظة ولا تضطرب . وإلا تحطم الكون المنظور واصطدمت هذه الكتل الهائلة السابحة في الفضاء الوسيع . .
هذا الفضاء الذي تسبح فيه تلك الملايين التي لا يحصيها العد ، كأنها ذرات صغيرة . لا نحاول تصويره ولا تصوره . . فذلك شيء يدير الرؤوس !
( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ? ) . .
وقوله : أوَ لَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّمَوَاتِ والأرْضَ بِقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ يقول تعالى ذكره منبها هذا الكافر الذي قال : مَنْ يُحْيي العِظامَ وَهيَ رَميمٌ على خطأ قوله ، وعظيم جهله أوَ لَيْسَ الّذِي خَلَقَ السّمَوَات السبع والأرْضَ بقادِرٍ عَلى أنْ يَخْلُقَ مثلكم ، فإن خلق مثلكم من العظام الرميم ليس بأعظم من خلق السموات والأرض . يقول : فمن لم يتعذّر عليه خلق ما هو أعظم من خلقكم ، فكيف يتعذّر عليه إحياء العظام بعد ما قد رمّت وبَلِيَت ؟ وقوله : بلَى وَهُوَ الخَلاّقُ العَليمُ يقول : بلى هو قادر على أن يخلق مثلهم وهو الخلاق لما يشاء ، الفعّال لما يريد ، العليم بكلّ ما خلق ويخلق لا يخفى عليه خافية .
{ أو ليس الذي خلق السماوات والأرض } مع كبر جرمهما وعظم شأنهما . { بقادر على أن يخلق مثلهم } في الصغر والحقارة بالإضافة إلهيما ، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد ، وعن يعقوب " يقدر " { بلى } جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه . { هو الخلاق بالعليم } كثير المخلوقات والمعلومات .
هذا تقرير وتوقيف على أمر تدل صحته على صحة بعث الأجساد من القبور وإعادة الموتى وجمع الضمير جمع من يعقل في قوله { مثلهم } من حيث كانتا متضمنتين من يعقل من الملائكة والثقلين ، هذا تأويل جماعة من المفسرين ، وقال الرماني وغيره : الضمير في مثلهم عائد على الناس .
قال القاضي أبو محمد : فهم مثال للبعث ، وتكون الآية نظير قوله تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس }{[9822]} [ غافر : 57 ] وقرأ سلام أبو المنذر وابن أبي إسحاق ويعقوب والأعرج «والأرض يقدر » على يفعل مستقبلاً ، وقرأ جمهور «بقادر » ، وقرأ جمهور الناس «الخلاق » ، وقرأ الحسن «الخالق » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.