فلما سمعت المرأة البشارة { أقبلت } فرحة مستبشرة { فِي صَرَّةٍ } أي : صيحة { فَصَكَّتْ وَجْهَهَا } وهذا من جنس ما يجري من لنساء عند السرور [ ونحوه ] من الأقوال والأفعال المخالفة للطبيعة والعادة ، { وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } أي : أنى لي الولد ، وأنا عجوز ، قد بلغت من السن ، ما لا تلد معه النساء ، ومع ذلك ، فأنا عقيم ، غير صالح رحمي للولادة أصلاً ، فثم مانعان ، كل منهما مانع من الولد ، وقد ذكرت المانع الثالث في سورة هود بقولها : { وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ }
ثم يحكى القرآن بعد ذلك ما كان من امرأته بعد أن سمعت بهذه البشرى فقال : { فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ } .
أى : فأقبلت امرأة إبراهيم - عليه السلام - وهى تصيح فى تعجب واستغراب من هذه البشرى . فضربت بيدها على وجهها وقالت : أنا عجوز عقيم فكيف ألد ؟
والصرة : من الصرير وهو الصوت ، ومنه صرير الباب ، أى : صوته ، والصك الضرب الشديد على الوجه ، وعادة ما تفعله النساء إذا تعجبن من شىء .
وشبيه بهذه الآية قوله - تعالى - فى سورة هود : { قَالَتْ ياويلتى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } وهنا رد عليها الملائكة بما يزيل تعجبها واستغرابها واستبعادها لأن يكون لها ولد مع كبر سنها ،
( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها . وقالت : عجوز عقيم ) . . وقد سمعت البشرى ، فبغتت وفوجئت ، فندت منها صيحة الدهش ، وعلى عادة النساء ضربت خديها بكفيها . وقالت : عجوز عقيم . تنبئ عن دهشتها لهذه البشرى وهي عجوز . وقد كانت من الأصل عقيما . وقد أخذتها المفاجأة العنيفة التي لم تكن تتوقعها أبدا ، فنسيت أن البشرى تحملها الملائكة ! عندئذ ردها المرسلون إلى الحقيقة الأولى . حقيقة القدرة التي لا يقيدها
قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ يعني : سارّة ، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع ، ولا تحوّل من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني ، بمعنى : أخذ في شتمي . وقوله : فِي صَرّةٍ يعني : في صيحة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فِي صَرّةٍ يقول : في صيحة .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ فَصَكّتْ وَجْهَها يعني بالصرّة : الصيحة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد فِي صَرّةٍ قال : صيحة .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ : أي أقبلت في رنة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : صَرّةٍ قال : أقبلت ترنَ .
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي ، عن ابن سابَط ، قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ قال : في صيحة .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : فأَقْبَلَتِ امْرأتُهُ فِي صَرّةٍ قال : الصرّة : الصيحة .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال سمعت الضحاك يقول في قوله : فِي صَرّةٍ يعني : صيحة . وقد قال بعضهم : إنّ تلك الصيحة أوّه مقصورة الألف .
وقوله : فَصَكّتْ وَجْهَها اختلف أهل التأويل في معنى صكها ، والموضع الذي ضربته من وجهها ، فقال بعضهم : معنى صكها وجهها : لَطْمِها إياه . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها يقول : لَطَمت .
وقال آخرون : بل ضربت بيدها جبهتها تعجبا . ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هارون ، قال : حدثنا عمرو بن حماد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قال : لما بَشّر جبريل سارَة بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ضربت جبهتها عجبا ، فذلك قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها قال : جبهتها .
حدثني ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم الياميّ ، عن ابن سابَط ، قوله : فَصَكّتْ وَجْهَها قال : قالت هكذا وضرب سفيان بيده على جبهته .
قال : ثنا مهران عن سفيان فَصَكّتْ وَجْهَها وضعت يدها على جبهتها تعجبا ، والصكّ عند العرب : هو الضرب . وقد قيل : إن صكها وجهها ، أن جمعت أصابعها ، فضربت بها جبهتها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ يقول : وقالت : أتلد وحذفت أتلد لدلالة الكلام عليه ، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم ، وعنى بالعقيم : التي لا تلد . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا سليمان ، أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن مشاش ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : عَجُوزٌ عَقِيمٌ قال : لا تلد .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا رجل من أهل خراسان من الأزد ، يكنى أبا ساسان ، قال : سألت الضحاك ، عن قوله : عَقِيمٌ قال : التي ليس لها ولد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.