تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

ثم أخبر تعالى عن منته العظيمة على عبده ورسوله عيسى عليه السلام ، فقال { ويعلمه الكتاب } يحتمل أن يكون المراد جنس الكتاب ، فيكون ذكر التوراة والإنجيل تخصيصا لهما ، لشرفهما وفضلهما واحتوائهما على الأحكام والشرائع التي يحكم بها أنبياء بني إسرائيل والتعليم ، لذلك يدخل فيه تعليم ألفاظه ومعانيه ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله { ويعلمه الكتاب } أي : الكتابة ، لأن الكتابة من أعظم نعم الله على عباده ولهذا امتن تعالى على عباده بتعليمهم بالقلم في أول سورة أنزلها فقال { اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم }

والمراد بالحكمة معرفة أسرار الشرع ، ووضع الأشياء مواضعها ، فيكون ذلك امتنانا على عيسى عليه السلام بتعليمه الكتابة والعلم والحكمة ، وهذا هو الكمال للإنسان في نفسه .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

ثم واصل القرآن حديثه عن صفات عيسى - عليه السلام - وعن معجزاته فقال - تعالى : { وَيُعَلِّمُهُ الكتاب . . . } .

فأنت ترى فى هذه الآيات الكريمة بيانا حكيما عن طبيعة رسالة عيسى - عليه السلام - وعن معجزاته التى أكرمه الله - تعالى - بها .

وقوله- تعالى- : { وَيُعَلِّمُهُ الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل } معطوف على ( يُبَشِّرُكِ ) أى : يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه . . . وإن الله يعلم ذلك المولود - المعبر عنه بالكلمة - الكتاب ، وقرأ بعضهم ونعلمه الكتاب . . وعلى هذه القراءة تكون هذه الجملة معمولة لقوله محذوف من كلام الملائكة أى ويقول الله - تعالى - ونعلمه . . وتكون فى المعنى معطوفة على الحال وهى قوله " وجيها " فكأنه قال : وجيها ومعلماً .

وعلى كلتا القراءتين يجوز أن تكون الجملة المستأنفة سيقت تطييبا لقلب مريم ، وإراحة لما أهمها من خوف الملامة حين علمت أنها تلد من غير أن يمسها بشر .

ولقد حكى القرآن عنها فى سورة مريم قولها بتحسر وألم عندما جاءها المخاض { ياليتني مِتُّ قَبْلَ هذا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً } والمراد بالكتاب الكتابة والخط ، فإن عيسى - عليه السلام - قد بعثه الله - تعالى - فى أمة ارتقت فيها ألوان العلم والمعرفة فأكرمه الله بأن جعله يفوق غيره فى هذه النواحى . وقيل المراد بالكتاب جنس الكتب الإلهية .

قال الفخر الرازى : " والأقرب عندى أن يقال : المراد من الكتاب تعليم الخط والكتابة . ثم المراد بالحكمة تعليم العلوم وتهذيب الأخلاق ، لأن كمال الإنسان فى أن يعرف الحق لذاته والخير لأجل العمل به ، ومجموعهما هو المسمى بالحكمة ، ثم بعد أن صار عالما بالخط والكتابة ومحيطاً بالعلوم العقلية والشرعية يعمله التوراة . وإنما أخر تعليم التوراة عن تعليم الخط والحكمة ، لأن التوراة كتاب إلهى فيه أسرار عظيمة والإنسان ما لم يتعلم العلوم الكثيرة لا يمكنه أن يخوض فى البحث عن أسرار الكتب الإلهية . ثم قال فى المرتبة الرابعة والإنجيل . وإنما أخر ذكر الإنجيل عن التوراة لأن من تعلم الخط ، ثم تعلم علوم الحق ، ثم أحاط بأسرار الكتاب الذى نزل على من قبله من الأبنياء فقد عظمت درجته في العلم فإذا أنزل الله عليه بعد ذلك كتابا آخر وأوقفه على أسراره فذلك هو العناية القصوى والمرتبة العليا في العلم والفهم والإحاطة بالأسرار العقلية والشرعية ، والاطلاع على الحكم العلوية والسفلية " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيُعَلِّمُهُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَٱلتَّوۡرَىٰةَ وَٱلۡإِنجِيلَ} (48)

33

ثم يتابع الملك البشارة لمريم عن هذا الخلق الذي اختارها الله لإنجابه على غير مثال ؛ وكيف ستمضي سيرته في بني إسرائيل . . وهنا تمتزج البشارة لمريم بمقبل تاريخ المسيح ، ويلتقيان في سياق واحد ، كأنما يقعان اللحظة ، على طريقة القرآن :

( ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ) . .

والكتاب قد يكون المراد به الكتابة ؛ وقد يكون هو التوراة والإنجيل ، ويكون عطفهما على الكتاب هو عطف بيان . والحكمة حالة في النفس يتأتي معها وضع الأمور في مواضعها ، وإدراك الصواب واتباعه . وهي خير كثير . والتوراة كانت كتاب عيسى كالإنجيل . فهي أساس الدين الذي جاء به . والإنجيل تكملة وإحياء لروح التوراة ، ولروح الدين التي طمست في قلوب بني إسرائيل . وهذا ما يخطىء الكثيرون من المتحدثين عن المسيحية فيه فيغفلون التوراة ، وهي قاعدة دين المسيح - عليه السلام - وفيها الشريعة التي يقوم عليها نظام المجتمع ؛ ولم يعدل فيها الإنجيل إلا القليل . أما الإنجيل فهو نفخة إحياء وتجديد لروح الدين ، وتهذيب لضمير الإنسان بوصله مباشرة بالله من وراء النصوص . هذا الإحياء وهذا التهذيب اللذان جاء المسيح وجاهد لهما حتى مكروا به كما سيجيء .