{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا }
لما ذكر أن من صفات المنافقين اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، نهى عباده المؤمنين أن يتصفوا بهذه الحالة القبيحة ، وأن يشابهوا المنافقين ، فإن ذلك موجب لأن { تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا } أي : حجة واضحة على عقوبتكم ، فإنه قد أنذرنا وحذرنا منها ، وأخبرنا بما فيها من المفاسد ، فسلوكها بعد هذا موجِب للعقاب .
وفي هذه الآية دليل على كمال عدل الله ، وأن الله لا يُعَذِّب أحدا قبل قيام الحجة عليه ، وفيه التحذير من المعاصي ؛ فإن فاعلها يجعل لله عليه سلطانا مبينا .
{ يَا أَيُّهَا الذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين } .
أى : يأيها الذين آمنوا بالله حق الإِيمان ، لا يصح منكم ولا ينبغى لكم أن تتخذوا الكافرين بالحق الذى آمنتم به { أَوْلِيَآءَ } أى نصراء وأصدقاء ، تاركين ولاية إخوانكم المؤمنين ونصرتهم ، فإن ذلك لا يتفق مع الإِيمان ، ولا يتناسب مع تعاليم دينكم .
فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة الكفرة . أى : عن مناصرتهم وإفشاء أسرار المؤمنين إليهم ، وعن كل ما من شأنه أن يكون مضرة بالمؤمنين . كما قال - تعالى - فى آية أخرى : { لاَّ يَتَّخِذِ المؤمنون الكافرين أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ المؤمنين وَمَن يَفْعَلْ ذلك فَلَيْسَ مِنَ الله فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَهُ وإلى الله المصير } .
وفى هذا النهى - أيضاً - توبيخ للمنافقين الذين ما زال الحديث متصلا عن قبائحهم ورذائلهم ، وتحذير من مسالكهم الخبيثة حيث كانوا يتركون ولاية المؤمنين وينضمون إلى صفوف الكافرين من اليهود وغيرهم ويقولون - مكا حكى القرآن عنهم - { نخشى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ } والاستفهام فى قوله : { أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُّبِيناً } للإِنكار والتحذير من أن تقع هذه الموالاة منهم .
والمراد بالسلطان : الحجة والدليل أى : إنكم إن اتخذتم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فقد جعلتم لله عليكم حجة فى عقابكم ، وفى تخليه عن نصرتكم ورعايتكم .
وتوجيه الإِنكار إلى الإِرادة دون متعلقها بأن يقال ، أتجعلون . للمبالغة فى التهويل من أمره ؛ ببيان أنه مما لا ينبغى أن تصدر عن العاقل إرادته ، فضلا عن صدوره فى نفسه .
قال بعضهم : وقد دلت الآية على تحريم موالاة المؤمنين للكافرين . قال الحاكم : وهى الموالاة فى الدين والنصرة فيه . لا المخالقه والإِحسان .
وقال الزمخشرى : وعن صعصعة بن صوحان أنه قال لابن أخ له ؛ خالص المؤمن ، وخالق الكافر والفاجر . فإن الفاجر يرضى منك بالخلق الحسن . وأنه يحق عليكم أن تخالص المؤمن .
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتّخِذُواْ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُواْ للّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مّبِيناً } . .
وهذا نهي من الله عباده المؤمنين أن يتخلقوا بأخلاق المنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه . يقول لهم جلّ ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، لا توالوا الكفار فتوازروهم من دون أهل ملتكم ودينكم من المؤمنين ، فتكونوا كمن أوجب له النار من المنافقين . ثم قال جلّ ثناؤه متوعدا من اتخذ منهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين إن هو لم يرتدع عن موالاته وينجر عن مخالته أن يلحقه بأهل ولايتهم من المنافقين الذين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبشيرهم بأن لهم عذابا أليما : أتريدون أيها المتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، ممن قد آمن بي وبرسولي أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ، يقول : حجة باتخاذكم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فتستوجبوا منه ما استوجبه أهل النفاق الذين وصف لكم صفتهم وأخبركم بمحلهم عنده { مُبِينا } يعني : عن صحتها وحقيتها ، يقول : لا تعرضوا لغضب الله بإيجابكم الحجة على أنفسكم في تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالاة أعدائه وأهل الكفر به .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر بن معاذ ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : { يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تَتّخِذُوا الكافِرِينَ أوْلِياءَ مِنْ دُونِ المُؤْمِنِينَ أتُرِيدُونَ أنْ تَجْعَلُوا لِلّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطانا مُبِينا } قال : إن لله السلطان على خلقه ، ولكنه يقول عذرا مبينا } قال : إن لله السلطان على خلقه ، ولكنه يقول عذرا مبينا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا قبيصة بن عقبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن عكرمة ، قال : ما كان في القرآن من سلطان فهو حجة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : { سُلْطانا مُبِينا } قال : حجة .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
خطابه تعالى للمؤمنين ، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان ، ففي اللفظ رفق بهم ، وهم المراد بقوله تعالى : { أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً } لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال ، والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك ، ويقوي هذا المنزع قوله تعالى : { من دون المؤمنين } أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين ، بل المعنى : يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه .
و السلطان : الحجة ، وهي لفظة تؤنث وتذكر ، والتذكير أشهر ، وهي لغة القرآن حيث وقع{[4346]} ، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف ، والتقدير : ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس ، إذ هو مدبرهم ، والناظر في منافعهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.