تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

{ 9-14 } { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ }

يخبر تعالى عن المشركين ، أنك لو { سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ } الله وحده لا شريك له ، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات ، العليم بظواهر الأمور وبواطنها ، وأوائلها وأواخرها ، فإذا كانوا مقرين بذلك ، فكيف يجعلون له الولد والصاحبة والشريك ؟ ! وكيف يشركون به من لا يخلق ولا يرزق ، ولا يميت ولا يحيي ؟ !

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

ثم ساق - سبحانه - بعد ذلك نماذج من تناقض هؤلاء المشركين مع أنفسهم ومن مواقفهم الجحودية من نعم الله - تعالى - عليهم . . فقال - تعالى - : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات . . . إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ } .

واللام فى قوله - تعالى - : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض } للقسم . وجوابه قوله - تعالى - بعد ذلك : { لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ . . . } .

والمعنى : وحق الله الذى لا إله إلا هو ، لئن سألت - أيها الرسول الكريم - هؤلاء المشركين عمن خلق هذا الكون ، ليقولون بدون تردد : الله - تعالى - المتصف فى نفس الأمر بالعزة والعلم .

فالآية الكريمة تدل دلالة صريحة على أن هؤلاء المشركين يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا العالم ، وأن معبوداتهم بعض خلقه - تعالى - ولكنهم لجهلهم وانطماس بصائرهم أشركوها معه فى العبادة ، وقالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى الله زلفى . . . } ويبدو أن هاتين الصفتين : { العزيز العليم } ليستا من أقوالهم . فهم كانوا يعترفون بأن الله هو الخالق لهذا الكون ، ولكنهم لم يكونوا يعرفون الله بصفاته التى جاء بها القرآن الكريم .

ولذا قال بعض العلماء : الذى يظهر أن هذا الكلام مجرأ ، فبعضه من قولهم وبعضه من قول الله - تعالى - ، فالذى هو من قولهم { خَلَقَهُنَّ } ، وما بعده من قول الله - عز وجل - ، وأصل الكلام أنهم قالوا : خلقهن الله ، ويدل عليه قوله - تعالى - فى آية أخرى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله } ثم لما قالوا : خلقهن الله وصف الله - تعالى - ذاته بهاتين الصفتين .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مّنْ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنّ خَلَقَهُنّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ * الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً لّعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك : من خلق السموات السبع والأرضين ، فأحدثهنّ وأنشأهنّ ؟ ليقولنّ : خلقهنّ العزيز في سلطانه وانتقامه من أعدائه ، العليم بهنّ وما فيهنّ من الأشياء ، لا يخفى عليه شيء الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا يقول : الذي مهّد لكم الأرض ، فجعلها لكم وطاء توطئونها بأقدامكم ، وتمشون عليها بأرجلكم وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً يقول : وسهّل لكم فيها طرقا تتطرّقونها من بلدة إلى بلدة ، لمعايشكم ومتاجركم . كما :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَجَعَلَ لَكُمُ فِيها سُبُلاً أي طرقا .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ مَهْدا قال : بساطا وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً قال : الطرق لَعَلّكُمْ تَهْتَدُون يقول : لكي تهتدوا بتلك السبل إلى حيث أردتم من البُلدان والقُرى والأمصار ، لولا ذلك لم تطيقوا براح أفنيتكم ودوركم ، ولكنها نعمة أنعم بها عليكم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم } لعله لازم مقولهم أو ما دل عليه إجمالا أقيم مقامه تقريرا لإلزام الحجة عليهم ، فكأنهم قالوا " الله " كما حكي عنهم في مواضع أخر وهو الذي من صفته ما سرد من الصفات ، ويجوز أن يكون مقولهم وما بعده استئناف .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ ٱلۡعَزِيزُ ٱلۡعَلِيمُ} (9)

لما كان قوله : { وكم أرسلنا من نبيء في الأولين } [ الزخرف : 6 ] موجهاً إلى الرّسول صلى الله عليه وسلم للتسلية والوعد بالنصر ، عطف عليه خطاب الرّسول صلى الله عليه وسلم صريحاً بقوله : { ولئن سألتهم } الآية ، لقصد التعجيب من حال الذين كذّبوه فإنهم إنما كذبوه لأنه دعاهم إلى عبادة إله واحد ونبْذِ عبادة الأصنام ، ورأوا ذلك عجباً مع أنهم يقرّون لله تعالى بأنّهُ خالق العوالم وما فيها . وهل يستحق العبادةَ غيرُ خالق العابدين ، ولأنّ الأصنام من جملة ما خلق الله في الأرض من حجارة ، فلو سألهم الرّسول صلى الله عليه وسلم في محاجّته إياهم عن خالق الخلق لما استطاعوا غير الإقرار بأنه الله تعالى .

فجملة { ولئن سألتهم } معطوفة على جملة { وكم أرسلنا من نبيء في الأولين } [ الزخرف : 6 ] عطف الغرض ، وهو انتقال إلى الاحتجاج على بطلان الإشراك بإقرارهم الضِمْنيّ : أن أصنامهم خالية عَن صفة استحقاققِ أنْ تُعبد . وتأكيد الكلام باللام الموطئة للقسم ولام الجواب ونون التوكيد لتحقيق أنهم يجيبون بذلك تنزيلاً لغير المتردد في الخبر منزلة المتردّد ، وهذا التنزيل كناية عن جدارة حالتهم بالتعجيب من اختلال تفكيرهم وتناقض عقائدهم وإنّما فُرض الكشف عن عقيدتهم في صورة سؤالهم عن خالقهم للإشارة إلى أنهم غافلون عن ذلك في مجرى أحوالهم وأعمالهم ودعائهم حتى إذا سألهم السائل عن خالقهم لم يتريّثوا أن يجيبوا بأنه الله ثم يرجعون إلى شركهم .

وتاء الخطاب في { سألتهم } للنبيء صلى الله عليه وسلم وهو ظاهر سياق التسلية ، أو يكون الخطاب لغير معيّن ليعمّ كل مخاطب يتصور منه أن يسألهم .

و { العزيز العليم } هو الله تعالى . وليس ذكر الصفتين العليتين من مقول جوابهم وإنما حكي قولهم بالمعنى ، أي ليقولن خلقهنّ الذي الصفتان من صفاته ، وإنما هم يقولون : خلقهن الله ، كما حكي عنهم في سورة لقمان ( 25 ) و { لئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولُنّ الله } وذلك هو المستقرَى من كلامهم نثراً وشعراً في الجاهلية . وإنما عُدل عن اسم العليّ إلى الصفتين زيادة في إفحامهم بأن الذي انصرفوا عن توحيده بالعبادة عزيز عليم ، فهو الذي يجب أن يرجوه النّاس للشدائد لعزّته وأن يخلصوا له باطنهم لأنه لا يخفى عليه سرّهم ، بخلاف شركائهم فإنها أذلّة لا تعلم ، وإنهم لا ينازعون وصفه ب { العزيز العليم } .

وتخصيص هاتين الصفتين بالذكر من بين بقية الصفات الإلهية لأنها مضادة لصفات الأصنام فإن الأصنام عاجزة عن دفع الأيدي .

والتقدير : ولئن سألتهم مَن خلق السماوات والأرض ليقولُنّ الله ، وإن سألتهم : أهو العزيز العليم .