{ 15 - 18 } { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }
يخاطب تعالى جميع الناس ، ويخبرهم بحالهم ووصفهم ، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه :
فقراء في إيجادهم ، فلولا إيجاده إياهم ، لم يوجدوا .
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح ، التي لولا إعداده إياهم [ بها ] ، لما استعدوا لأي عمل كان .
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة ، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور ، لما حصل [ لهم ] من الرزق والنعم شيء .
فقراء في صرف النقم عنهم ، ودفع المكاره ، وإزالة الكروب والشدائد . فلولا دفعه عنهم ، وتفريجه لكرباتهم ، وإزالته لعسرهم ، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد .
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية ، وأجناس التدبير .
فقراء إليه ، في تألههم له ، وحبهم له ، وتعبدهم ، وإخلاص العبادة له تعالى ، فلو لم يوفقهم لذلك ، لهلكوا ، وفسدت أرواحهم ، وقلوبهم وأحوالهم .
فقراء إليه ، في تعليمهم ما لا يعلمون ، وعملهم بما يصلحهم ، فلولا تعليمه ، لم يتعلموا ، ولولا توفيقه ، لم يصلحوا .
فهم فقراء بالذات إليه ، بكل معنى ، وبكل اعتبار ، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا ، ولكن الموفق منهم ، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه ، ويتضرع له ، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين ، وأن يعينه على جميع أموره ، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت ، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه ، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها .
{ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ } أي : الذي له الغنى التام من جميع الوجوه ، فلا يحتاج إلى ما يحتاج إليه خلقه ، ولا يفتقر إلى شيء مما يفتقر إليه الخلق ، وذلك لكمال صفاته ، وكونها كلها ، صفات كمال ، ونعوت وجلال .
ومن غناه تعالى ، أن أغنى الخلق في الدنيا والآخرة ، الحميد في ذاته ، وأسمائه ، لأنها حسنى ، وأوصافه ، لكونها عليا ، وأفعاله لأنها فضل وإحسان وعدل وحكمة ورحمة ، وفي أوامره ونواهيه ، فهو الحميد على ما فيه ، وعلى ما منه ، وهو الحميد في غناه [ الغني في حمده ] .
ثم وجه - سبحانه - نداء ثالثاً إلى الناس ، نبههم فيه إلى فقرهم إليه - سبحانه - ، وإلى غناه عنهم ، وإلى مسئولية كل إنسان عن نفسه ، وإلى وظيفة الرسول صلى الله عليه وسلم الذى أرسله إليهم ، وإلى الفرق الشاسع بين الإِيمان والكفر ، وإلى سوء مصير المكذبين ، فقال - تعالى - : { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء . . . فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ } .
وقوله - تعالى - : { ياأيها الناس أَنتُمُ الفقرآء إِلَى الله . . . } نداء منه - سبحانه - للناس ، يعرفهم فيه حقيقة أمرهم ، ولأنهم لا غنى لهم عن خالقهم - عز وجل - .
أى : يأيها الناس أنتم المحتاجون إلى الله - تعالى - فى كل شئونكم الدنيوية والأخروية { والله } - تعالى - وحده هو الغنى ، عن كل مخلوق سواه ، وهو { الحميد } أى : المحمود من جميع الموجودات ، لأنه هو الخالق لكل شئ ، وهو المنعم عليكم وعلى غيركم بالنعم التى لا تحصى .
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم عرف الفقراء ؟ قلت : قصد بذلك أن يريهم أنه لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفترقين إليه من الناس وغيرهم ، لأن الفقر مما يتبع الضعف ، ولكما كان الفقير أضعف كان أفقر ، وقد شهد الله - سبحانه - على الإِنسان بالضعف فى قوله : { وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء .
وجمع - سبحانه - فى وصف ذاته بين الغنى والحميد ، للإِشعار بأنه - تعالى - بجانب غناه عن خلقه ، هو الذى يفيض عليهم من نعمه ، وهو الذى يعطيهم من خيره وفضله ، ما يجعلهم يحمدونه بألسنتهم وقلوبهم .
قال الآلوسى : قوله { الحميد } أى : المنعم على جميع الموجودات ، المستحق بإنعامه للحمد ، وأصله المحمود ، وأريد به ذلك عن طريق الكناية ، ليناسب ذكره بعد فقرهم ، إذ الغنى لا ينفع الفقير إلا إذا كان جواداً منعماً ، ومثله مستحق للحمد ، وهذا كالتكميل لما قبله . .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.