تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

يقول تعالى : إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ من لم تفد فيهم الآيات والنذر ، وهم الصُّمُّ عن استماع الحق الْبُكْمُ عن النطق به . الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ ما ينفعهم ، ويؤثرونه على ما يضرهم ، فهؤلاء شر عند اللّه من جميع{[339]} الدواب ، لأن اللّه أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ، ليستعملوها في طاعة اللّه ، فاستعملوها في معاصيه وعدموا - بذلك - الخير الكثير ، فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية .

فأبوا هذا الطريق ، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية ، والسمع الذي نفاه اللّه عنهم ، سمع المعنى المؤثر في القلب ، وأما سمع الحجة ، فقد قامت حجة اللّه تعالى عليهم بما سمعوه من آياته ، وإنما لم يسمعهم السماع النافع ، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته .


[339]:- في ب: من شرار.
 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{۞إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلصُّمُّ ٱلۡبُكۡمُ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡقِلُونَ} (22)

ثم وصف - سبحانه - الكافر والمنافقين وأشباههم وصفاً يحمل العقلاء على النفور منهم ، فقال - تعالى - : { إِنَّ شَرَّ الدواب عِندَ الله الصم البكم الذين لاَ يَعْقِلُونَ } .

والدواب : جمع دابة وهى كل ما يدب على الأرض . قال - تعالى - : { والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ . . } قال الجمل : " وإطلاق الدابة على الإِنسان لما ذكروه في كتب اللغة من أنها تطلق على كل حيوان ولو آدميا ، وفى المصباح : الدابة كل حيوان في الأرض مميزا أو غير مميز " .

وقد روى أن هذه الآيات نزلت في نفر من بنى عبد الدار ، كانوا يقولون : نحن صم بكم عما جاء به محمد ، فقتلوا جميعا يوم بدر .

وهذا لا يمنع أن الآية الكريمة يشمل حكمها جميع المشركين والمنافقين ، إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب .

والمعنى : إن شر ما يدب على الأرض { عِندَ الله } أى : في حكمه وقضائه ، وهم أولئك : { الصم } عن سماع الحق { البكم } عن النطق به { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } أي لا يعلقون التمييز بينه وبين الباطل .

ووصفهم - سبحانه - بذلك مع أنهم يسمعون وينطقون ، لأنهم لم ينتفعوا بهذه الحواس ، بل استعملوها فيما يضر ويؤذى ، فكان وجودها فيهم كعدمها .

وقدم الصمم على البكم ، لأن صممهم عن سماع الحق متقدم على بكمهم فإن السكوت عن النطق بالحق من فروع عدم سماعهم له ، كما أن النطق به من فروع سماعه .

وقوله { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } تحقيق لكمال سوء حالهم ، لأن الأصم الأبكم إذا كان له عقل ربما فهم بعض الأمور . . . أما إذا كان بجانب صممه وبكمه فاقد العقل ، فإنه في هذه الحالة يكون قد بلغ الغاية في سوء الحال . .

قال صاحب المنار : وقوله : { الذين لاَ يَعْقِلُونَ } أى : فقدوا فضيلة العقل الذي يميز بين الحق والباطل والخير والشر ، إذ لو عقولا لطلبوا ، ولو طلبوا لسمعوا وميزوا ولو سمعوا لنطقوا وبينوا ، وتذكروا وذكروا . . فهم لفقدهم منفعة العقل والسمع والنطق صاروا كالفاقدين لهذه المشاعر والقوى . . بل هم شر من ذلك لأنهم اعطيت لهم المشاعر والقوى فأفسدوها على أنفسهم لعدم استعمالها فيما خلقها الله لأجله ، فهم كما قال الشاعر :

خُلِقوا ، وما خُلِقوا لمكرمة . . . فكأنهم خلقوا وما خلقوا

رُزِقوا وما رزقوا سماح يد . . . فكأنهم رزقوا وما رزقوا

ولم يصفهم هنا بالعمى كما وصفهم في آية الأعراف وآيتى البقرة ، لأن المقام هنا مقام تعريض بالذين ردوا دعوة الإِسلام ، ولم يهتدوا بسماع آيات القرآن .