فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{لِّكُلِّ أُمَّةٖ جَعَلۡنَا مَنسَكًا هُمۡ نَاسِكُوهُۖ فَلَا يُنَٰزِعُنَّكَ فِي ٱلۡأَمۡرِۚ وَٱدۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ إِنَّكَ لَعَلَىٰ هُدٗى مُّسۡتَقِيمٖ} (67)

ثم عاد سبحانه إلى بيان أمر التكاليف مع الزجر لمعاصري رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم من أهل الأديان عن منازعته فقال :

{ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا } أي لكل قرن من القرون الماضية والباقية وضعنا شريعة خاصة بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى ؛ لا استقلالا ولا اشتراكا . وقيل موضع قربان يذبحون فيه . وقيل موضع عبادة .

{ هُمْ نَاسِكُوهُ } الضمير لكل أمة ، أي تلك الأمة هي العاملة به لا غيرها ، فكانت التوراة منسك الأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى ، والإنجيل منسك الأمة التي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن منسك المسلمين إلى يوم القيامة ، والمنسك مصدر لا اسم مكان كما يدل عليه هم ناسكوه ، ولم يقل ناسكون فيه . وقيل هو الذبائح ولا وجه للتخصيص ولا اعتبار بخصوص السبب .

{ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ } الفاء لترتيب النهي على ما قبله والضمير راجع إلى الأمم الباقية آثارهم . يعني قد عينا لكل أمة شريعة ، ومن جملة الأمم هذه الأمة المحمدية وذلك موجب لعدم منازعة من بقي منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومستلزم لطاعتهم إياه في أمر الدين ، والنهي إما على حقيقته أو كناية عن نهيه عن الالتفات إلى نزاعهم له .

قال الزجاج : إنه نهي له صلى الله عليه وسلم عن منازعتهم ، أي لا تنازعهم أنت كما تقول لا يخاصمك فلان ، أي لا تخاصمه ، وكما تقول لا يضاربنك فلان ، أي لا تضاربه ، وذلك أن المفاعلة تقتضي العكس ضمنا ، ولا يجوز لا يضربنك فلان وأنت تريد لا تضربه .

وحكي عن الزجاج أنه قال في معنى الآية : فلا ينازعنك ، أي فلا يجادلنك ، قال ودل على هذا وإن جادلوك . وقرئ فلا ينزعنك في الأمر أي لا يستخفنك ولا يغلبنك عن دينك . وقرأ الجمهور فلا ينازعنك من المنازعة كما تقدم .

وقال ابن عباس : هم ناسكوه أي ذابحوه فلا ينازعنك في الأمر أي في الذبح ، وعن عكرمة ومجاهد نحوه ، وعن مجاهد قال : قول أهل الشرك ، أما ما ذبح الله بيمينه فلا تأكلوه ، وأما ما ذبحتم بأيديكم فهو حلال .

{ وَادْعُ } هؤلاء المنازعين أو ادع الناس على العموم { إِلَى } دين { رَبِّكَ } وتوحيده والإيمان به { إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى } أي طريق { مُّسْتَقِيمٍ } لا اعوجاج فيه