فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي ٱلۡبَحۡرِ بِأَمۡرِهِۦ وَيُمۡسِكُ ٱلسَّمَآءَ أَن تَقَعَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا بِإِذۡنِهِۦٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٞ} (65)

{ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ } هذه نعمة أخرى ثالثة ذكرها الله سبحانه فأخبر عباده بأنه سخر لهم وذلل ما يحتاجون إليه من الدواب والشجر والأنهار والحجر . والحديد والنار لما يراد منها ، والحيوان للأكل والركوب والحمل عليه والنظر إليه وجعله لمنافعهم { و } سخر لكم { الْفُلْكَ } أي السفن في حال جريها .

{ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ } أي بتقديره وإذنه ، فلولا أن الله سخرها لكانت تغوص أو تقف ، وهذه نعمة رابعة . والنعمة الخامسة قوله : { وَيُمْسِكُ السَّمَاء } كراهة { أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ } وذلك بأنه خلقها على صفة مستلزمة للإمساك لأن النعم المتقدمة لا تكمل إلا به ، والسماء جرم ثقيل ، وما كان كذلك لا بد له من السقوط لولا مانع يمنع منه ، وهو القدرة ؛ فأمسكها الله بقدرته لئلا تسقط فتبطل النعم التي امتن بها علينا .

{ إِلا بِإِذْنِهِ } أي بإرادته ومشيئته ، وذلك يوم القيامة ، والظاهر أنه استثناء مفرّغ من أعم الأحوال وهو لا يقع في الكلام الموجب إلا أن قوله : { وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ } في قوة النفي ، أي لا يتركها تقع في حالة من الأحوال إلا في حالة كونها ملتبسة بمشيئته تعالى فالباء للملابسة .

{ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءوفٌ رَّحِيمٌ } أي كثير الرأفة والرحمة حيث سخر هذه الأمور لعباده ، وهيأ لهم أسباب المعاش ، وأمسك السماء أن تقع على الأرض فتهلكهم ، تفضلا منه على عباده وإنعاما عليهم ،