تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (29)

26

المفردات :

مبارك : كثير المنافع الدينية والدنيوية .

ليدبروا : ليتفكروا .

ليتذكر : ك ليتعظ .

الألباب : جمع لبّ ، وهو العقل ، وجمعه : عقول ، أي : ليتذكر أصحاب العقول ربّهم .

التفسير :

29-{ كتاب أنزلناه إليك مباركا ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب } .

أي : هذا القرآن كتاب مبين ، أنزلناه من السماء إليك يا محمد ، مشتملا على البركة والخير ، وسعادة الدنيا والآخرة ، وقد أنزلناه بواسطة جبريل الأمين ليتدبروا آياته وأحكامه ، وأوامره ونواهيه ، فتخشع قلوبهم ، وتلين أفئدتهم ، وقد أنزلنا هذا الكتاب ليستخدم أصحاب العقول عقولهم ، في تأمل حديث القرآن عن بدء الخليقة ، وعن إبداع الكون ، وعن قصص الأوّلين ، وعن التشريع والأحكام ، والآداب والوصايا ، وعن القيامة وأحوالها ، وبذلك يؤمنون ويهتدون بعد تدبر وتذكر .

والآية كما ترى دعوة إلى استخدام العقل والفكر واللبّ ، وترك التقليد الأعمى ، والتدبر لا يكون بحفظ حروفه وإهمال حدوده ، بل بهما معا .

قال الحسن البصري :

قد قرأ القرآن عبيد وصبيان ، لا علم لهم بتأويله ، حفظوا حروفه ، وضيّعوا حدوده ، حتى إن أحدهم ليقول : والله لقد قرأت القرآن فما أسقطت منه حرفا ، وقد – والله – أسقطه كله ، وما يرى للقرآن عليه أثر في خُلق ولا عمل ، والله ما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده ، والله ما هؤلاء بالحكماء والأتقياء ، ولا أكثر الله في الناس من مثل هؤلاء .

 
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (29)

وقوله تعالى : { كتاب } خبر مبتدأ محذوف هو عبارة عن القرآن أو السورة ، ويجوز على الثاني تقديره مذكراً أي هو أو هذا وهو الأولى عند جمع رعاية للخبر وتقديره مؤنثاً رعاية للمرجع ، وقوله تعالى : { أنزلناه إِلَيْكَ } صفته ، وقوله سبحانه : { مُّبَارَكٌ } أي كثير المنافع الدينية والدنيوية خبر ثان للمبتدأ أو صفة { كِتَابٌ } عند من يجوز تأخير الوصف الصريح عن غيرا لصريح . وقرئ { مُبَارَكاً } بالنصب على أنه حال من مفعول { أَنزَلْنَا } وهي حال لازمة لأن البركة لا تفارقه جعلنا الله تعالى في بركاته ونفعنا بشريف آياته ، وقوله عز وجل : { لّيَدَّبَّرُواْ ءاياته } متعلق بأنزلناه ، وجوز أن يكون متعلقاً بمحذوف يدل عليه وأصله ليتدبروا بتاء بعد الياء آخر الحروف ، وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه بهذا الأصل أي أنزلناه ليتفكروا في آياته التي من جملتها هذه الآيات المعربة عن أسرار التكوين والتشريع فيعرفوا ما يدبر ويتبع ظاهرها من المعاني الفائقة والتأويلات اللائقة ، وضمير الرفع لأولي الألباب على التنازع وإعمال الثاني أو للمؤمنين فقط أو لهم وللمفسدين ، وقرأ أبو جعفر { لتدبروا } بتاء الخطاب وتخفيف الدال وجاء كذلك عن عاصم . والكسائي بخلاف عنهما ، والأصل لتتدبروا بتاءين فحذفت إحداهما على الخلاف الذي فيها أهي تاء المضارعة أم التاء التي تليها ، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وعلماء أمته على التغليب أي لتدبر أنت وعلماء أمتك { إِلاَّ أُوْلُواْ الالباب } أي وليتعظ به ذوو العقول الزاكية الخالصة من الشوائب أو ليستحضروا ما هو كالمركوز في عقولهم لفرط تمكنهم من معرفته لما نصب عليه من الدلائل فإن إرسال الرسل وإنزال الكتب لبيان ما لا يعرف إلا من جهة الشرع كوجوب الصلوات الخمس والإرشاد إلى ما يستقل العقل بإدراكه كوجود الصانع القديم جل جلاله وعم نواله .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ} (29)

{ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ } فيه خير كثير ، وعلم غزير ، فيه كل هدى من ضلالة ، وشفاء من داء ، ونور يستضاء به في الظلمات ، وكل حكم يحتاج إليه المكلفون ، وفيه من الأدلة القطعية على كل مطلوب ، ما كان به أجل كتاب طرق العالم منذ أنشأه اللّه .

{ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } أي : هذه الحكمة من إنزاله ، ليتدبر الناس آياته ، فيستخرجوا علمها ويتأملوا أسرارها وحكمها ، فإنه بالتدبر فيه والتأمل لمعانيه ، وإعادة الفكر فيها مرة بعد مرة ، تدرك بركته وخيره ، وهذا يدل على الحث على تدبر القرآن ، وأنه من أفضل الأعمال ، وأن القراءة المشتملة على التدبر أفضل من سرعة التلاوة التي لا يحصل بها هذا المقصود .

{ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ } أي : أولو العقول الصحيحة ، يتذكرون بتدبرهم لها كل علم ومطلوب ، فدل هذا على أنه بحسب لب الإنسان وعقله يحصل له التذكر والانتفاع بهذا الكتاب .