تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

49

المفردات :

تصير الأمور : ألا إلى الله وحده -لا إلى غيره- يرجع شأن الخلق وأمورهم كلها يوم القيامة .

التفسير :

53- { صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } .

إنك أيها الرسول الكريم تهدي إلى صراط مستقيم ومنهج واضح ، وتحمل لواء النور والهدى ، هذا الصراط المستقيم الذي ترشد إليه هو طريق الله ومنهجه ، وهو سبحانه المالك الحقيقي لهذا الكون كله ، فهو مالك السماء وما فيها ، والأرض وما عليها ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم : ( اللهم رب السماء وما أظلت ، والأرضين وما أقلت ، والشياطين وما أضلت ، كن لي جارا من شرار خلقك عز جارك )26 .

{ ألا إلى الله تصير الأمور } .

إن أمور الخلائق جميعا ترجع إليه يوم القيامة ، وقد انتهت الوسائط والعلائق ، وقام الناس لرب العالمين ، وهو المطلع على النوايا والخفايا ، والمجازي والمكافئ ، وفي هذا وعد بحسن الجزاء للمؤمنين ، ووعيد بالعقاب للكافرين .

قال تعالى : { يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . ( الزلزلة : 6-8 ) .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

ختام السورة:

خلاصة ما تضمنته سورة الشورى

1- إنزال الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

2- اختلاف الأديان ضروري للبشر .

3- أصول الشرائع واحدة لدى جميع الرسل .

4- اختلاف المختلفين في الأديان بغي وعدوان ، لأنه اختلاف بعد علم الحقيقة الناصعة .

5- إنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن قامت الأدلة على صدقه .

6- استعجال المشركين لمجيء الساعة ، وإشفاق المؤمنين منها .

7- من يعمل للدنيا يؤت منها ، وما له حظ في الآخرة ، ومن يعمل للآخرة يوفقه الله للخير ويضاعف له الثواب .

8- ينزل الله الرزق بحسب ما يرى من المصلحة .

9- من الأدلة على وجود الله تعالى خلق السماوات والأرض ، وجري السفن في البحار .

10- ذكر لوحة هادفة وصورة ممتازة للمؤمنين ، فهم يتمتعون بصفات كريمة ، منها ما يأتي :

التوكل على الله ، البعد عن الكبائر ، ضبط النفس عند الغضب ، الاستجابة لأمر الله ، إقام الصلاة ، الاعتماد على الشورى في أمور الدولة وأمور الأسرة والمؤسسات .

11- جزاء السيئة سيئة مثلها ، فمن عفا وأصلح فأجره على الله .

12- ليس على الرسول إلا البلاغ .

13- أقسام الوحي إلى البشر .

14- القرآن هداية ، والرسول صلى الله عليه وسلم حامل مصباح الهداية .

11 في ظلال القرآن بقلم سيد قطب 24/7 .

2 رواه الإمام أحمد ، ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجة ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

3 ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم :

ذكره الهندي في كنز العمال ( 37132 ) عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : جاء قيس بن مطاطية إلى حلقة فيها سلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي فقال : هؤلاء الأوس والخزرج قد قاموا بنصرة هذا الرجل فما بال هؤلاء ؟ فقام إليه معاذ بن جبل فأخذ بتلابيبه حتى أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بمقالته ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا يجر رداءه حتى دخل المسجد ، ثم نودي : الصلاة جامعة ! فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( يا أيها الناس ، إن الرب رب واحد ، وإن الأب أب واحد ، وإن الدين دين واحد ، ألا وإن العربية ليست لكم بأب ولا أم إنما هي لسان ، فمن تكلم بالعربية فهو عربي ) ، فقال معاذ وهو آخذ بتلابيبه : يا رسول الله ، ما تقول في هذا المنافق ؟ فقال : ( دعه إلى النار ) ، قال : فكان فيمن ارتد فقتل في الردة .

4 انظر تفسير الألوسي .

5 التفسير الوسيط : المجلد الثالث ، الحزب التاسع والأربعون ، ص 738 .

6 نقلا عن : في ظلال القرآن ، المجلد 5 ص 3149 .

7 إن الصدقة توضع في يد الله :

رواه البخاري في الزكاة ( 1410 ) وفي التوحيد ( 7429 ) ومسلم في الزكاة ( 1014 ) والترمذي في الزكاة ( 661 ) والنسائي في الزكاة ( 2525 ) وابن ماجة في الزكاة ( 1842 ) والدارمي في الزكاة ( 1675 ) وأحمد في مسنده ( 8181 ، 8738 ، 9142 ، 9281 ، 9738 ، 10562 ) من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما تصدق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله عز وجل إلا الطيب - إلا أخذها الرحمان عز وجل بيمينه وإن كانت تمرة فتربو في كف الرحمان حتى تكون أعظم من الجبل ، كما يربى أحدكم فلوه أو فصيله ) . واللفظ للنسائي . ورواه أحمد في مسنده ( 25604 ) من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يكون مثل أحد ) .

8 إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة هل رضيتم :

رواه البخاري في الرقاق باب : صفة الجنة والنار ( 6183 ) وفي التوحيد باب : كلام الرب مع أهل الجنة ( 7080 ) ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، باب إحلال الرضوان على أهل الجنة ، فلا يسخط عليهم أبدا ( 2829 ) والترمذي في صفة الجنة ( 2680 ) من حديث أبي سعيد الخدري . وتمام لفظه : ( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة ، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك . فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك ، فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا ) . وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح .

9 أفضل الدعاء الحمد لله :

رواه الترمذي في الدعوات ( 3383 ) وابن ماجة في الأدب ( 3800 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله ) . وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم ، وقد روى علي بن المديني وغير واحد عن موسى بن إبراهيم هذا الحديث .

10 خير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله .

رواه الترمذي في الدعوات ( 3585 ) من حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ) . قال أبو عيسى : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم الأنصاري المديني وليس هو بالقوي عند أهل الحديث .

11 من شغله القرآن وذكري عن مسألتي :

رواه الترمذي في فضائل القرآن ( 2926 ) من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يقول الرب عز وجل : من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى للسائلين وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ) . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب .

12 انظر تفسير القاسمي ، مجلد 6 ص 177 ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت لبنان .

13 ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب :

رواه البخاري في المرضى باب : ما جاء في كفارة المرضى ( 5642 ) ومسلم في البر والصلة والآداب ، باب : ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن ( 2573 ) عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه ، حتى الشوكة يشاكها ) . ورواه البخاري فيما تقدم ( 5318 ) عن أبي سعيد الخدري ، وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ، ولا هم ولا حزن ، ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها ، إلا كفر الله بها من خطاياه ) ورواه الترمذي في تفسير القرآن باب : ومن سورة النساء ( 5029 ) عن أبي هريرة قال : لما نزلت : { من يعمل سوءا يجز به } ، شق ذلك على المسلمين فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( قاربوا وسددوا ، وفي كل ما يصيب المؤمن كفارة ، حتى الشوكة يشاكها والنكبة ينكبها ) . هذا حديث حسن غريب .

14 أشد الناس بلاء الأنبياء :

بوب به البخاري في كتاب المرضى ، ورواه الترمذي في الزهد ( 2398 ) ، وابن ماجة في الفتن ( 4023 ) ، وأحمد ( 1484 ، 1497 ، 1558 ، 1610 ) ، والدارمي في الرقاق ( 2783 ) ، من حديث سعد بن أبي وقاص ، وقال الترمذي : حسن صحيح .

15 مختصر تفسير ابن كثير للأستاذ محمد علي الصابوني ، المجلد الثالث ص 279 .

16 ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه :

رواه البخاري في المناقب ( 3560 ) وفي الأدب ( 6126 ) وفي الحدود ( 6786 ، 6853 ) ومسلم في الفضائل ( 2327 ) من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها .

17 ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو :

رواه مسلم في البر والصلة ( 2588 ) ، والترمذي في البر والصلة ( 2029 ) ، وأحمد ( 7165 ، 8782 ) ، والدارمي في الزكاة ( 1676 ) من حديث أبي هريرة ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح .

18 ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو :

انظر ما قبله .

19 يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي .

رواه مسلم في البر والصلة والآداب ( 2577 ) ، والترمذي في صفة القيامة ( 2459 ) وابن ماجة ( 4275 ) وأحمد ( 5/154 ، 160 ، 177 ) وعبد الرازق ( 20272 ) من حديث أبي ذر .

20 المستبان ما قالا :

رواه مسلم في البر ( 2587 ) وأبو داود في الأدب ( 4894 ) والترمذي في البر ( 1981 ) وأحمد في مسنده ( 7164 ) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم ) .

21 عجبا لأمر المؤمن :

سبق تخريجه ، انظر هامش ( 1 ) .

22 إن روح القدس نفث في روعي :

ذكره السيوطي في الجامع الصغير ( 2273 ) بلفظ : ( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته ) . التخريج ( مفصلا ) : أبو نعيم في الحلية عن أبي أمامة . تصحيح السيوطي : ضعيف .

23 أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس :

رواه البخاري في بدء الوحي ( 2 ) وفي بدء الخلق ( 3215 ) ومسلم في الفضائل ( 2333 ) والترمذي في المناقب ( 3634 ) والنسائي في الافتتاح ( 933 ، 943 ) وأحمد ( 24724 ، 25666 ) ومالك في الموطأ ( 474 ) من حديث عائشة وانظر كتاب ( علوم الدين الإسلامي ) للدكتور عبد الله شحاتة ، وفي أوله موضوع ( الوحي والقرآن ) .

24 ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب :

رواه الترمذي في التفسير ( 3010 ) من حديث جابر بن عبد الله قال : لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : ( يا جابر ما لي أراك منكسرا ؟ ) قلت : يا رسول الله استشهد أبي قتل يوم أحد وترك عيالا ودينا ، قال : ( أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك ) ؟ قلت : بلى يا رسول الله ، قال : ( ما كلم الله أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وأحيا أباك فكلمه كفاحا ، فقال : يا عبدي تمن علي أعطك ، قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ، قال الرب عز وجل : إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون ) . قال : وأنزلت هذه الآية : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا }الآية . قال أبو عيسى : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .

25 من المراجع المتيسرة في علوم القرآن :

كتاب : البرهان في علوم القرآن لبدر الدين الزركشي .

كتاب : الإتقان في علوم القرآن لجلال الدين السيوطي .

كتاب : مناهل العرفان في علوم القرآن لمحمد عبد العظيم الزرقاني .

كتاب : علوم القرآن للدكتور عبد الله شحاتة .

كتاب : مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح .

كتاب : مباحث في علم القرآن لمناع القطان .

ونلاحظ أن معظم كتب التفسير الأساسية كانت تكتب مقدمة طويلة عن علوم القرآن ، مثل تفسير ابن جرير الطبري فقد بدأ تفسيره بمقدمة عن نزول القرآن على سبعة أحرف ، وعن المكي والمدني ، وغير ذلك من مباحث علوم القرآن ، وتجد مثل ذلك في تفاسير : القرطبي ، وابن كثير ، والمنار ، وفي ظلال القرآن ، وتفسير القرآن الكريم للدكتور عبد الله شحاته ، رزقنا الله الإخلاص والقبول والتوفيق والسداد ، اللهم آمين .

26 اللهم ر ب السماوات السبع :

رواه الترمذي في الدعوات ( 3523 ) من حديث بريدة قال : شكا خالد بن الوليد المخزومي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما أنام الليل من الأرق فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أويت إلى فرشاك فقل : اللهم رب السماوات السبع وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت ورب الشياطين وما أضلت كن لي جارا من شر خلقك كلهم جميعا أن يفرط على أحد منهم أو أن يبغي ، عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك لا إله إلا أنت ) . قال أبو عيسى : هذا حديث ليس إسناده بالقوي ، والحكم بن ظهير قد ترك حديثه بعض أهل الحديث ويروى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا من غير هذا الوجه .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

قوله تعالى : { صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور } أي : أمور الخلائق كلها في الآخرة .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{صراط الله}: دين الله.

{الذي له ما في السماوات وما في الأرض} خلقه وعبيده، وفي قبضته.

{ألا إلى الله تصير الأمور} يعني أمور الخلائق في الآخرة تصير إليه، فيجزئهم بأعمالهم، والله غفور لذنوب العباد، رحيم بهم...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يعني تعالى ذكره بقوله:"وكَذلكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا" وكما كنا نوحي في سائر رسلنا، كذلك أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، "روحا من أمرنا": يقول: وحيا ورحمة من أمرنا.

واختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع؛

فقال بعضهم: عنى به الرحمة...

وقال آخرون: معناه: وحيا من أمرنا...

وقوله: "مَا كُنْتَ تَدْرِي ما الكِتابُ وَلا الإيمَانُ "يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ماكنت تدري يا محمد أيّ شيء الكتاب ولا الإيمان اللذين أعطيناكهما، "وَلَكِنْ جَعَلْناهُ نُورا" يقول: ولكن جعلنا هذا القرآن، وهو الكتاب نورا، يعني ضياءً للناس، يستضيئون بضوئه الذي بيّن الله فيه، وهو بيانه الذي بيّن فيه، مما لهم فيه في العمل به الرشاد، ومن النار النجاة "نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا" يقول: نهدي بهذا القرآن، فالهاء في قوله «به» من ذكر الكتاب.

ويعني بقوله: "نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ": نسدّد إلى سبيل الصواب، وذلك الإيمان بالله "مَنْ نَشاءُ منْ عِبادِنا" يقول: نهدي به من نشاء هدايته إلى الطريق المستقيم من عبادنا... وقال بعضهم: عنى به الإيمان والكتاب...

وقوله: "وَإنّكَ لَتَهْدِي إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإنك يا محمد لتهدي إلى صراط مستقيم عبادنا، بالدعاء إلى الله، والبيان لهم...

وقوله جلّ ثناؤه: "ألا إلى اللّهِ تَصِيرُ الأمُورُ" يقول جلّ ثناؤه: ألا إلى الله أيها الناس تصير أموركم في الآخرة، فيقضي بينكم بالعدل.

فإن قال قائل: أو ليست أمورهم في الدنيا إليه؟ قيل: هي وإن كان إليه تدبير جميع ذلك، فإن لهم حكاما ووُلاة ينظرون بينهم، وليس لهم يوم القيامة حاكم ولا سلطان غيره، فلذلك قيل: إليه تصير الأمور هنالك، وإن كانت الأمور كلها إليه وبيده قضاؤها وتدبيرها في كل حال.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

بين أن ذلك الصراط هو {صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض} نبه بذلك على أن الذي تجوز عبادته هو الذي يملك السموات والأرض، والغرض منه إبطال قول من يعبد غير الله.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فهي الهداية إلى طريق الله، الذي تلتقي عنده المسالك؛ لأنه الطريق إلى المالك، الذي له ما في السماوات وما في الأرض؛ فالذي يهتدي إلى طريقه يهتدي إلى ناموس السماوات والأرض، وقوى السماوات والأرض، ورزق السماوات والأرض، واتجاه السماوات والأرض إلى مالكها العظيم. الذي إليه تتجه، والذي إليه تصير: (ألا إلى الله تصير الأمور).. فكلها تنتهي إليه، وتلتقي عنده، وهو يقضي فيها بأمره. وهذا النور يهدي إلى طريقه الذي اختار للعباد أن يسيروا فيه، ليصيروا إليه في النهاية مهتدين طائعين...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

{أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور}. تذييل وتنهية للسورة بختام ما احتوت عليه من المجادلة والاحتجاج بكلام قاطع جامع منذر بوعيد للمعرضين، فاجع ومبشر بالوعد لكل خاشع. وافتتحت الجملة بحرف التنبيه لاسترعاء أسماع النّاس. وتقديم المجرور لإفادة الاختصاص، أي إلى الله لا إلى غيره.

و {المصير}: الرّجوع والانتهاء، واستعير هنا لظهور الحقائق كما هي يومَ القيامة فيَذهَب تلبيس الملبسين، ويَهِن جبروت المتجبرين، ويقرّ بالحق من كان فيه من المعاندين، وهذا كقوله تعالى: {وإلى الله عاقبة الأمور} [لقمان: 22] وقوله: {وإليه يرجع الأمر كله} [هود: 123].

والأمور: الشؤون والأحوال والحقائق وكل موجود من الذوات والمعاني...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

ثم يوضح الحق سبحانه طبيعة هذا الصراط: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي...}.

قوله تعالى: {صِرَاطِ اللَّهِ..} أضاف الصراط إليه سبحانه، فهو صاحبه وواضعه ليس من إنشائكم. يعني: لا دَخْلَ للعبد فيه، وطالما أنه من الله فينبغي عليكم اتباعه والحذر من الانحراف عنه.

ثم يصف الحق سبحانه نفسه بهذه الصفة {الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الأَرْضِ..} يعني: صاحب هذا الصراط له ملْك ما في السماوات وما في الأرض، يعني في الدنيا، ثم تصير الأمور إليه وحده في الآخرة.

{أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} وهذا أسلوب قصر يعني: إلى الله وحده لا إلى أحد غيره.

إذن: هذا الصراط وهذا المنهج وضعه لكم الذي يملك الدنيا ويملك الآخرة، فمَنْ سار على منهجه في الدنيا لم يُحرم الجزاء في الآخرة.

فالدنيا كلها (من) بداية صائرة إلى غاية هي الآخرة، والغاية هذه إلى الله وحده، فما بين (من) و (إلى) أحسنوا أموركم فيها لأنكم صائرون منها إلى الله، وتذكّروا أن دار العمل موقوتة، وأن دار الجزاء خالدة باقية، هذه دار شَقاء وعَنَت، وهذه دار نعيم، فيها ما لا عَيْنٌ رأت، ولا أذن سمعتْ، ولا خطر على قلب بشر، ومَنْ يخطب الحسناء يُغلها المهر.

وتأمل كيف خُتِمتْ هذه السورة بقوله تعالى: {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} (ألاَ) أداة تنبيه، والتنبيه لا يكون إلا لأمر مهم ينبغي الاهتمام به ولا نغفل عنه، قلنا: لأن المتكلم هو الذي يعي كلامه ووقته ولا يغفل عنه، أما المخاطب فقد يغفل عما يُقال فيحتاج إلى تنبيه في الأمور المهمة.

هذا الأمر المهم ما هو؟ هو {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} هذه برقية موجزة في ختام السورة في طياتها كلام كثير، حتى في البشر حينما يوصي الإنسان أولاده مثلاً قبل موته لا يُوصيهم بكل تفاصيل حركة الحياة، إنما بالأمور المهمة.

فقوله سبحانه: {أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} يعني: تنبهوا أنّ المسألة كلها من الله وإلى الله، من الله منهج، وإلى الله مرجع ومصير.

فانظر في حركتك واجعلها موافقة لهذا المنهج، واعلم أنك راجع إليه، وأمرك صائر إليه وحده، لأنه سبحانه لم يخلقنا عبثاً، ولن يتركنا سُدى. هذه حقيقة ينبغي ألاَّ تغيب أبداً عن عقولنا.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أمّا آخر جملة في هذه الآية وهي آخر آية في سورة الشورى فهي في الحقيقة دليل على أن الطريق المستقيم هو الطريق الوحيد الذي يوصل إلى الخالق، حيث تقول: (ألا إلى الله تصير الأمور) فبما أنّه يملك عالم الوجود ويحكمه ويدبره لوحده، وبما أن برامج تكامل الإنسان يجب أن تكون تحت إشراف هذا المدبّر العظيم، لذا فإن الطريق المستقيم هو الطريق الوحيد الذي يوصل إليه، والطرق الأُخرى منحرفة وتؤدي إلى الباطل، وهل هناك حق في هذا العالم غير ذاته المقدسة؟! هذه الجملة بُشرى للمتقين، وهي في نفس الوقت تهديد للظالمين والمذنبين؛ لأن الجميع سوف يرجعون إلى الخالق. وهي دليل على أن الوحي يجب أن يكون من الخالق فقط؛ لأن جميع الأُمور ترجع إليه وتدبير كلّ شيء بيده، ولهذا السبب وجب أن يكون الباري تعالي هو مصدر الوحي بالنسبة للأنبياء حتى تتمّ الهداية الحقيقية.

ختام السورة:

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هكذا تنتهي السورة التي بدأت بالحديث عن الوحي. وكان الوحي محورها الرئيسي. وقد عالجت قصة الوحي منذ النبوات الأولى. لتقرر وحدة الدين، ووحدة المنهج، ووحدة الطريق. ولتعلن القيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد [صلى الله عليه وسلم] وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة. ولتكل إلى هذه العصبة أمانة القيادة إلى صراط مستقيم. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض. ولتبين خصائص هذه العصبة وطابعها المميز، الذي تصلح به للقيادة، وتحمل به هذه الأمانة. الأمانة التي تنزلت من السماء إلى الأرض عن ذلك الطريق العجيب العظيم...

.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

" صراط الله " بدل من الأول بدل المعرفة من النكرة . قال علي : هو القرآن . وقيل الإسلام . ورواه النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم . " الذي له ما في السماوات وما في الأرض " ملكا وعبدا وخلقا . " ألا إلى الله تصير الأمور " وعيد بالبعث والجزاء . قال سهل بن أبي الجعد : احترق مصحف فلم يبق إلا قوله : " ألا إلى الله تصير الأمور " وغرق مصحف فامحى كله إلا قوله : " ألا إلى الله تصير الأمور " . والحمد لله وحده .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

ثم أبدل منه تعظيماً لشأنه قوله بدل كل من كل معرفة من نكرة لافتاً القول من مظهر العظمة إلى أعظم منه ، إشارة إلى جلالة هذا الصراط بما فيه من مجامع الرحمة والنقمة ترغيباً وترهيباً : { صراط الله } أي الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال ، ثم وصفه بأنه مالك لما افتتح هذا الكلام بأن له ملكه فقال : { الذي له } ملك { ما في السماوات } أي هو جميع السماوات التي هي في عرشه والأرض لأنها في السماوات وما في ذلك من المعاني والأعيان { وما في الأرض }

ولما أخبر سبحانه أنه المخترع لجميع الأشياء والمالك لعالمي الغيب والشهادة والخلق والأمر وأنه المتفرد بالعظمة كلها ، وكان مركوزاً في العقول مغروزاً في الفطر أن من ابتدأ شيئاً وليس له كفوء قادر على إعادته وأن يكون مرجع أمره كله إليه ، فلذلك كانت نتيجة جميع ما مضى على سبيل المناداة على المنكرين لذلك وعداً ووعيداً لأهل الطاعة والمعصية بناء على ما تقديره : كيف يكون له ما ذكر على سبيل الدوام ونحن نرى لغيره أشياء كثيرة تضاف إليه ويوقف تصريفها والتصرف فيها عليه : { ألا إلى الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال الذي تعالى عن مثل أو مدان وهو الكبير المتعالي ، لا إلى أحد غيره { تصير } أي على الدوام وإن كانت في الظاهر في ملك غيره بحيث يظن الجاهل أن ملكها مستقر له ، قال أبو حيان : أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقوله : زيد يعطي ويمنع أي من شأنه ذلك ولا يراد به حقيقة المستقبل : { الأمور } أي كلها من الخلق والأمر معنىً وحساً خفياً في الدنيا بما نصب من الحكام وجعل بين الناس من الأسباب ، وجلياً فيما وراءها حيث قطع ذلك جميعه وحده العزيز الحكيم العلي العظيم ، فقد رجع آخر السورة على أولها ، وانعطف مفصلها على موصلها ، واتصل من حيث كونه في الوحي الهادي في أول الزخرف على أتم عادة لهذا الكتاب المنير من اتصال الخواتم فيه بالبوادي والروائح بالغوادي - والله أعلم بالصواب .