وقوله : { صراط الله } يعني : صراط شرع اللَّه ، ثم استفتح سبحانه القَوْلَ في الإخبار بصيرورة الأمور إليه سبحانه ؛ مبالغةً وتحقيقاً وتثبيتاً ، فقال : { أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } . قال الشيخُ العارفُ باللَّه أبو الحسن الشاذليُّ رحمه اللَّه : إنْ أردتَ أَنْ تغلب الشَّرَّ كُلَّه ، وتلحق الخيرَ كُلَّه ، ولا يَسْبِقَكَ سَابِق ، وإنْ عمل ما عمل فقل : يا مَنْ له الخَيْرُ كُلُّهُ ، أسألك الخيرَ كُلَّه ، وأعوذ بك من الشَّرِّ كُلِّه ، فإنَّك أنت اللَّه الغَنِيُّ الغفُورُ الرَّحِيم ، أَسْأَلُكَ بالهادِي محمد صلى الله عليه وسلم إلى صراطٍ مستقيمٍ ، صراطِ اللَّهِ الذي له ما في السماوات وما في الأرض ، أَلاَ إلى اللَّه تصيرُ الأمور ، اللَّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ مَغْفِرَةً تَشْرَحُ بها صَدْرِي ، وتَضَعُ بها وِزْرِي ، وترفعُ بها ذِكْرِي ، وتُيَسِّرَ بها أمري ، وتُنَزِّهَ بها فكري ، وتُقَدِّسَ بها سِرِّي ، وتكشفَ بها ضُرِّي ، وترفَعَ بها قَدْرِي ؛ إنَّك على كُلِّ شَيْءٍ قدير ، اه .
( ت ) : قوله تعالى : { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب } : هذا بَيِّنٌ ، وقوله : { وَلاَ الإيمان } : فيه تأويلات : قيل معناه : ولا شرائع الإيمان ومعالمَه ؛ قال أبو العالية : يعني : الدعوةَ إلى الإيمان ، وقال الحسين بن الفَضْل : يعني أهل الإيمان ، مَنْ يؤمن ومَنْ لا يؤمن ، وقال ابن خُزَيْمَةَ : الإيمان هنا الصلاة ؛ دليله : { وَمَا كَانَ الله لِيُضِيعَ إيمانكم } [ البقرة : 143 ] قال ابن أبي الجَعْدِ وغيره : احترق مُصْحَفٌ فلم يبقَ منه إلاَّ : { أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } وغَرِقَ مصحفٌ فامتحى كُلُّه إلاَّ قولَه : { أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور } نقله الثعلبيُّ وغيره ، انتهى .
قال العبد الفقير إلى اللَّه تعالى ، عبدُ الرحمن بْنُ محمَّدِ بنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبيُّ ، لَطَفَ اللَّه به في الدَّارَيْنِ : قد يَسَّر اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ في تحرير هذا المختَصَر ، وقد أودعتُهُ بحمد اللَّه جزيلاً من الدُّرُر ، قد استوعبتُ فيه بحمد اللَّه مُهِمَّاتِ ابْنِ عطيَّةَ ، وزدته فوائدَ جليلةً من غيره ، وليس الخَبَرُ كالْعِيَانِ ، تَوَخَّيْتُ فيه بحمد اللَّه الصَّوَاب ؛ وجعلته ذخيرةً عند اللَّه لِيَوْمِ المآبِ ، لا يَسْتَغْنِي عنه المُنْتَهِي ؛ وفيه كفايةٌ للْمُبَتِدئ ، يستغني به عن المُطَوَّلاَت ؛ إذْ قد حَصَّل منها لُبَابَهَا ؛ وكَشَفَ عن الحقائقِ حِجَابَهَا .
التَّعْرِيفُ بِرِحْلَةِ المُؤَلِّف
رحلْتُ في طَلَبِ العِلْمِ في أواخر القَرْنِ الثَّامِنِ ، ودخلْتُ بِجَايَةَ في أوائل القرن التاسع ، فلقيتُ بها الأَئمةَ المقتدى بهم ، أَصحابَ سيِّدِي عبد الرحمنِ الوغليسيِّ متوافرِين ، فحضَرْتُ مجالسَهُمْ .
وكانَتْ عُمْدَةُ قراءتي بها على سيدي علي بن عثمان المَانْجِلاَتِيِّ رحمه اللَّه بمَسْجِدِ عَيْنِ البَرْبَرِ ، ثم ارتحلْتُ إلى تُونُسَ ، فلقيت بها سيدي عيسى الغبريني والأُبِّيَّ ، والبرزليَّ ، وغيرهم ، وأخذْتُ عنهم .
ثم ارتحلْتُ إلى المشرق ، فلقيتُ بِمِصْرَ الشيْخَ وَلِيَّ الدِّينِ العِرَاقِي ، فأخذْتُ عنه علوماً جَمَّةً مُعْظَمُهَا عِلْمُ الحديث ، وفتح اللَّه لي فيه فتحاً عظيماً ، وكتب لي وأَجَازَنِي جميعَ ما حضَرْتُهُ عليه ، وأطلق في غيره . ثم لقيتُ بمَكَّةَ بعض المحدِّثين ، ثم رجعتُ إلى الديار المصرية وإلى تُونُسَ ، وشاركْتُ مَنْ بها ، ولقيت بها شيخَنَا أبا عبد اللَّه محمَّدَ بْنَ مَرْزُوقٍ قادماً لإرادة الحَجِّ ، فأخذتُ عنه كثيراً ، وأجازني التدريسَ في أنواع الفُنُونِ الإسلاميَّةِ ، وحَرَّضَنِي على إتمام تقييدٍ وضعتُه على ابن الحاجِبِ الفرعيِّ .
( ت ) : ولما فرغْتُ من تحرير هذا المختَصَرِ وافَقَ قدومَ شيخِنَا أبي عبد اللَّهِ محمد بن مرزوقٍ علينا في سَفْرَةٍ سافرها من تِلْمِسَانَ متوجِّهاً إلى تُونُسَ ، ليصلح بَيْنَ سلطانها وبين صَاحِبِ تِلْمِسَانَ ، فأوقفته على هذا الكتاب ، فنظر فيه وأمعن النظر ، فَسُرَّ به سروراً كثيراً ودعا لنا بخير ، واللَّه الموفِّق بفَضْلِه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.