نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ} (53)

ثم أبدل منه تعظيماً لشأنه قوله بدل كل من كل معرفة من نكرة لافتاً القول من مظهر العظمة إلى أعظم منه ، إشارة إلى جلالة هذا الصراط بما فيه من مجامع الرحمة والنقمة ترغيباً وترهيباً : { صراط الله } أي الملك الأعظم الجامع لصفات الكمال ، ثم وصفه بأنه مالك لما افتتح هذا الكلام بأن له ملكه فقال : { الذي له } ملك { ما في السماوات } أي هو جميع السماوات التي هي في عرشه والأرض لأنها في السماوات وما في ذلك من المعاني والأعيان { وما في الأرض }

ولما أخبر سبحانه أنه المخترع لجميع الأشياء والمالك لعالمي الغيب والشهادة والخلق والأمر وأنه المتفرد بالعظمة كلها ، وكان مركوزاً في العقول مغروزاً في الفطر أن من ابتدأ شيئاً وليس له كفوء قادر على إعادته وأن يكون مرجع أمره كله إليه ، فلذلك كانت نتيجة جميع ما مضى على سبيل المناداة على المنكرين لذلك وعداً ووعيداً لأهل الطاعة والمعصية بناء على ما تقديره : كيف يكون له ما ذكر على سبيل الدوام ونحن نرى لغيره أشياء كثيرة تضاف إليه ويوقف تصريفها والتصرف فيها عليه : { ألا إلى الله } أي المحيط بجميع صفات الكمال الذي تعالى عن مثل أو مدان وهو الكبير المتعالي ، لا إلى أحد غيره { تصير } أي على الدوام وإن كانت في الظاهر في ملك غيره بحيث يظن الجاهل أن ملكها مستقر له ، قال أبو حيان : أخبر بالمضارع والمراد به الديمومة كقوله : زيد يعطي ويمنع أي من شأنه ذلك ولا يراد به حقيقة المستقبل : { الأمور } أي كلها من الخلق والأمر معنىً وحساً خفياً في الدنيا بما نصب من الحكام وجعل بين الناس من الأسباب ، وجلياً فيما وراءها حيث قطع ذلك جميعه وحده العزيز الحكيم العلي العظيم ، فقد رجع آخر السورة على أولها ، وانعطف مفصلها على موصلها ، واتصل من حيث كونه في الوحي الهادي في أول الزخرف على أتم عادة لهذا الكتاب المنير من اتصال الخواتم فيه بالبوادي والروائح بالغوادي - والله أعلم بالصواب .