تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

56

{ والذين يؤذون المؤمنون والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } .

التفسير :

كان المنافقون يؤذون المؤمنين ، ويشيعون عنهم قالة السوء ، وقد أشاع المنافقون عن عائشة حديث الإفك ، وأشاعوا عن بعض الصحابة مثل عمر وعلى تهما بدون حق والآية عامة في كل من يؤذي المؤمنين والمؤمنات في كل زمان ومكان .

والمعنى : والذين ينسبون للمؤمنين والمؤمنات ما يتأذون به من الأقوال والأفعال . بغير جناية يستحقون بها الأذية شرعا ، أو يعيرون المؤمن بحسب مذموم ، أو حرفة مذمومة ، أو شيء يثقل عليه سمعه أو يغتابون المؤمنين والمؤمنات ويشيعون عن قالة السوء بدون حق : { فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } ، فقد ارتكبوا كذبا وذنبا واضحا واتهاما بغير حق .

روى مسلم عن أبي هريرة أنه قيل : يا رسول الله ما الغيبة ؟ قال " ذكرك أخاك بما يكره " قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن كان فيه غير ما تقول فقد بهته " . 68

والبهت والبهتان هو افتراء الكذب على الناس لأنه يبهت صاحبه أي يحيره .

روي أن عمر رضي الله عنه قرأ هذه الآية ففزع منها وقال لأبي بن كعب والله إني أضربهم وأنهرهم فقال له أبي : يا أمير المؤمنين لست ممن يؤذون المؤمنين والمؤمنات إنما أنت معلم ومقوم .

أما الإيذاء بحق مثل إقامة حد الزنا وحد السرقة ، وحد القذف والقصاص وقتال المرتدين فغير محرم بل هو واجب فقامة معالم الدين قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر الذي رواه أصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولون لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " . 69

وقد فهم أبو بكر من هذا الحديث أن الزكاة حق المال فقاتل مانعي الزكاة وقال ك الله لو منعوني عناقا كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقتلتهم عليه وحاجه في ذلك عمر فقال أبو بكر إلا بحقها والزكاة حق الأموال فشرح الله صدر عمر لما انشرح له صدر أبي بكر .

***

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

قوله تعالى : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا } من غير أن عملوا ما أوجب أذاهم ، وقال مجاهد : يقعون فيهم ويرمونهم بغير جرم ، { فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً } . وقال مقاتل : نزلت في علي بن أبي طالب كانوا يؤذونه ويشتمونه . وقيل : نزلت في شأن عائشة . وقال الضحاك ، والكلبي : نزلت في الزناة الذين كانوا يمشون في طرق المدينة يتبعون النساء إذا برزن بالليل لقضاء حوائجهن ، فيغمزون المرأة ، فإن سكتت اتبعوها ، وإن زجرتهم انتهوا عنها ، ولم يكونوا يطلبون إلا الإماء ، ولكن كانوا لا يعرفون الحرة من الأمة لأن زي الكل كان واحداً ، يخرجن في درع وخمار ، الحرة والأمة كذلك ، فشكون ذلك إلى أزواجهن ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية : { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات } الآية .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُؤۡذُونَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ بِغَيۡرِ مَا ٱكۡتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحۡتَمَلُواْ بُهۡتَٰنٗا وَإِثۡمٗا مُّبِينٗا} (58)

أذية المؤمنين والمؤمنات هي أيضا بالأفعال والأقوال القبيحة ، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق . وهذه الآية نظير الآية التي في النساء : " ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا " {[12912]} [ النساء : 112 ] كما قال هنا . وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم ، أو حرفة مذمومة ، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه ؛ لأن أذاه في الجملة حرام . وقد ميز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأول كفرا والثاني كبيرة ، فقال في أذى المؤمنين : " فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا " وقد بيناه . وروي أن عمر بن الخطاب قال لأبي بن كعب : قرأت البارحة هذه الآية ففزعت منها " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا " الآية ، والله إني لأضربهم وأنهرهم . فقال له أبي : يا أمير المؤمنين ، لست منهم ، إنما أنت معلم ومقوم . وقد قال : إن سبب نزول هذه الآية أن عمر رأى جارية من الأنصار فضربها وكره ما رأى من زينتها ، فخرج أهلها فآذوا عمر باللسان ، فأنزل الله هذه الآية . وقيل : نزلت في علي ، فإن المنافقين كانوا يؤذونه ويكذبون عليه . رضي الله عنه .


[12912]:راجع ج 5 ص 380.