تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

13

يومئذ تعرضون : بعد النفخة الثانية للحساب والجزاء .

يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

أي : في ذلك اليوم يعرض الناس للحساب ، والله سبحانه وتعالى مطّلع على سرائرهم وبواطنهم ، وقد ظهر كل شيء علنا أمام الناس .

أما المؤمنون فتظهر للناس أعمالهم ، وصدقة السّرّ ، وكل ما عملوه ابتغاء وجه الله ، فيزداد سرورهم .

وأما الكافرون والمنافقون ، فيظهر للناس سوء أعمالهم ، فيزدادون حسرة .

والعرض هنا عبارة عن المساءلة والمحاسبة .

روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا ، فإنه أخفّ عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزيّنوا للعرض الأكبر : يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

وروى الإمام أحمد ، والترمذي ، وابن جرير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأمّا الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله ) . vi .

قال المفسرون : وكل من الحمل والعرض لا يعني التجسيم والتشبيه بالمخلوقات ، وإنما للتصوير والرمز والتقريب إلى الأذهان .

وقال صاحب الظلال ما يأتي :

والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية .

والملائكة على أرجاء هذه السماء المنشقة وأطرافها ، والعرش فوقهم يحمله ثمانية : ثمانية أملاك ، أو ثمانية صفوف منهم ، أو ثمانية طبقات من طبقاتهم ، أو ثمانية مما يعلم الله ، لا ندري نحن من هم ولا ما هم ، كما لا ندري نحن ما العرش ، ولا كيف يحمل . ونخلص من كل هذه المغيبات التي لا علم لنا بها ، ولم يكلفنا الله من علمها إلا ما قصّ علينا ، نخلص من مفردات هذه المغيبات إلى الظلّ الجليل الذي تخلعه على الموقف ، وهو المطلوب منا أن تستشعره ضمائرنا ، وهو المقصود من ذكر هذه الأحداث ، ليشعر القلب البشرى بالجلال والرهبة والخشوع في ذلك اليوم العظيم ، وفي ذلك الموقف الجليل .

يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية .

( فالكلّ مكشوف : مكشوف الجسد ، مكشوف النفس ، مكشوف الضمير ، مكشوف العمل ، مكشوف المصير ، وتسقط جميع الأستار التي كانت تحجب الأسرار ، وتتعرى النفوس ، وتتعرى الأجساد ، وتبرز الغيوب بروز الشهود . . . )vii .

( ألا إنه لأمر عصيب ، أعصب من دكّ الأرض والجبال ، وأشدّ من تشقق السماء ، وقوف الإنسان عريان الجسد ، عريان النفس ، عريان المشاعر ، عريان التاريخ ، عريان العمل ما ظهر منه وما استتر ، أما تلك الحشود الهائلة من خلق الله ، من الإنس والجن والملائكة ، وتحت جلال الله وعرشه المرفوع فوق الجميع )viii .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

{ يومئذ تعرضون } على ربكم { لا تخفى منكم خافية } كقوله { لا يخفى على الله منهم شيء }

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

ولما بلغ النهاية في تحذير العباد من يوم التناد ، وكان لهم حالتان : خاصة وعامة ، فالعامة العرض ، والخاصة التقسيم إلى محسن ومسيء ، زاده{[68030]} عظماً بقوله : { يومئذ } أي إذا كان ما تقدم .

ولما كان المهول نفس العرض ، بنى فعله للمفعول ولأنه كلام القادرين فقال : { تعرضون } أي على الله سبحانه وتعالى للحساب كما يعرض السلطان الجند لينظر في أمرهم ليختار منهم المصلح للإكرام والتقريب والإثابة ، والمفسد للإبعاد والتعذيب والإصابة ، عبر عن الحساب بالعرض الذي هو جزؤه ، فالمحسن لا يكون له غير ذلك والمسيء يناقش { لا تخفى منكم } أي في ذلك اليوم على أحد بوجه{[68031]} من الوجوه { لا تخفى منكم } أي في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه { خافية * } أي لا يقع أصلاً على حال{[68032]} من الأحوال شيء{[68033]} من خفاء لشيء كان من حقه الخفاء في الدنيا لا من الأعمال ولا من الأنفس وإن كان في{[68034]} غاية الدقة والغموض لأن ذلك يوم الظهور التام من القبور ومن الصدور ، وغير ذلك من الأمور ، ليكون ذلك أجل لسعادة من سعد ، وأقبح لشقاوة من شقي فأبعد ، قال أبو موسى رضي الله عنه : هي ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ بشماله .


[68030]:- من ظ وم، وفي الأصل: زال.
[68031]:- زيد من ظ وم.
[68032]:- زيد من ظ وم.
[68033]:- من ظ وم، وفي الأصل: شيئا.
[68034]:- من ظ وم، وفي الأصل: من.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

قوله : { يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } أي تعرضون على ربكم جميعا للحساب والجزاء ولا يخفى عليه شيء من أخباركم وأحوالكم وما تكنه صدوركم . والله عليم بأسراركم وأستاركم وما تخفيه ضمائركم{[4618]} .


[4618]:الكشاف جـ 4 ص 151 وتفسير الطبري ج 29 ص 37،38.