السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ} (18)

ولما بلغ تعالى النهاية في تحذير العباد من يوم التناد وكان لهم حالتان عامة وخاصة ، فالعامة العرض والخاصة التقسيم إلى محسن ومسيء زاده عظماً بقوله تعالى : { يومئذ } أي : إذ كان جميع ما تقدم { تعرضون } على الله للحساب كما يعرض السلطان الجند لينظر في أمرهم ليختار منهم المصلح للتقريب والإكرام ، والمفسد للإبعاد والتعذيب ، عبر بالعرض عن الحساب الذي هو جزؤه ، والمحسن لا يكون له غير ذلك والمسيء يناقش .

{ لا تخفى منكم } أي : في ذلك اليوم على أحد بوجه من الوجوه ، وقرأ حمزة والكسائي بالياء التحتية ؛ لأن التأنيث مجازي والباقون بالتاء وهو ظاهر ، { خافية } أي : من السرائر التي كان من حقها أن تخفى في دار الدنيا ، فإنه عالم بكل شيء من أعمالكم . ونظيرة قوله تعالى : { لا يخفى على الله منهم شيء } [ غافر : 16 ] . قال الرازي : والعرض للمبالغة في التهديد يعني تعرضون على من لا تخفى عليه خافية ، قال القرطبي : هذا هو العرض على الله تعالى ودليله { وعرضوا على ربك صفاً } [ الكهف : 48 ] وليس ذلك عرضاً ليعلم ما لم يكن عالماً به ، بل ذلك العرض عبارة عن المحاسبة والمساءلة وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة قال صلى الله عليه وسلم «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله » .