قال ابنُ الخطيب{[57783]} : قالت المشبِّهةُ : لو لم يكن اللَّهُ في العرشِ لكان حملُ العرش عبثاً لا فائدة فيه ، لا سيما قد أكَّد ذلك بقوله : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } ، والعرش إنَّما يكونُ لو كان الإلهُ حاضراً في العرش .
وأجاب : بأنه لا يمكن أن يكون المراد أنَّ الله - تعالى - جالس في العرش ؛ لأن كل من كان حاملاً للعرش ؛ كان حاملاً لكل ما كان في العرش فلو كان الإلهُ على العرش لزم أن يكون الملائكة حاملين لله تعالى ، وذلك محالٌ ؛ لأنه يقتضي احتياج الله إليهم ، وأن يكونوا أعظم قدراً من الله ، وكل ذلك كفرٌ ، فعلمنا أنه لا بد فيه من التأويل ، فنقول : السببُ في هذا الكلام هو أنه - تعالى - خاطبهم بما يتعارفونه ، فخلق لنفسه بيتاً يزورونه ليس أنه يسكنه - تعالى الله عن ذلك - وجعل في ركن البيت حجراً ، هو يمينه في الأرض إذْ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم ، وجعل على العبادِ حفظةً لا لأن النسيان يجوزُ عليه سبحانه ، وكذلك أنَّ الملك إذا أراد محاسبة عماله جلس على سريره ، ووقفت الأعوانُ حوله ، فسمى الله يوم القيامة عرشاً ، وحفَّت به الملائكة لا لأنه يقعد عليه ، أو يحتاجُ إليه ، بل كما قلنا في البيت والطَّواف .
قوله : { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ } هو جواب «إذَا » من قوله : «فَإذَا نُفِخَ » . قاله أبو حيَّان{[57784]} .
وفيه نظرٌ ، بل جوابها ما تقدم من قوله : «وقَعَتِ الواقِعَةُ » و «تُعْرضُونَ » على هذا مستأنفة .
قرأ الأخوان{[57785]} : بالياء من تحت ؛ لأن التأنيث مجازي ، كقوله : { وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة }[ هود : 67 ] .
واختاره أبو عبيد ؛ لأنه قد حال بين الفعل والاسم المؤنث الجار والمجرور .
والأخوان : على أصلهما في إمالة الألف .
وقرأ الباقون : «لا تَخْفَى » بالتاء من فوق للتأنيث اللفظي والفتح وهو الأصل ، واختاره أبو حاتم .
قال القرطبيُّ{[57786]} : هذا هو العرضُ على الله ، ودليله : { وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ صَفَّاً }[ الكهف : 48 ] وليس ذلك عرضاً ليعلم ما لم يكن عالماً ، بل ذلك العرضُ عبارةٌ عن المحاسبة والمساءلة وتقدير الأعمال عليهم للمجازاة .
قال صلى الله عليه وسلم : «يُعْرَضُ النَّاسُ يوم القِيامةِ ثلاثَ عَرضَاتٍ ، فأما عَرْضتانِ فَجِدالٌ ، ومعَاذِيرٌ وأما الثَّالثةُ فعند ذلك تَطِيْرُ الصُّحُفُ في الأيْدِي فآخِذٌ بيَمِينِهِ وآخِذٌ بِشمالهِ »{[57787]} .
وقوله : { لاَ تخفى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } .
قال ابن شجرة : أي : هو عالم بكل شيء من أعمالكم ، ف «خَافِيَة » على هذا بمعنى «خفيَّة » كانوا يخفونها من أعمالهم ، ونظيره قوله تعالى : { لاَ يخفى عَلَى الله مِنْهُمْ شَيْءٌ }[ غافر : 16 ] .
قال ابن الخطيب{[57788]} : فيكون الغرضُ المبالغة في التهديدِ ، يعني : «تُعرَضُون على من لا يخفى عليه شيء » .
وقيل : لا يخفى عليه إنسان لا يحاسب .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : لا يَخْفَى المُؤمِنُ من الكافر ، ولا البَرُّ من الفاجرِ .
وقيل : لا يتسر منكم عورة ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «يُحْشرُ النَّاسُ حُفاةً عُراةً » .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.