تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

المفردات :

لا يؤتون الزكاة : لا يتصدقون بجزء من مالهم للسائل والمحروم .

التفسير :

7- { الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون } .

لقد جمعوا طائفة من الرذائل هي :

1-الإشراك بالله .

2-منع الزكاة عن الفقراء والمساكين .

3- جحود الإيمان باليوم الآخر .

وجمهور المفسرين على أن المراد بالزكاة هنا زكاة المال ، وهو اختيار ابن جرير الطبري ، ونُسب لابن عباس أن المراد بالزكاة هنا طهارة النفس والقلب ، بعبادة الله وحده لا شريك له ، واستدل أصحاب هذا الرأي بأنّ السورة مكية ، وزكاة المال لم تفرض بمكة ، لكن الراجح أن المراد بالزكاة هنا إخراج جانب من المال ، فأصل الزكاة قد فرض بمكة ، بمعنى مطلق النفقة ، لكنّ بيان أنواع الزكاة ومقدار الأنصبة قد شرع في المدينة ، لقد كانت مكة على جانب كبير من الغنى والجاه والسلطان ، وكان لأهل مكة تجارة رابحة ، تسير إلى الشام وإلى اليمن ، وهذا الغنى والجاه والثروة جعلهم يترددون طويلا تجاه الإسلام ، لأنه سيحرمهم من شهواتهم والاستمتاع بأموالهم ولذائذهم ، ولأنه ينزل بهم من ارتفاع الغنى والجاه والسلطان والتميُّز إلى الجلوس مع الفقراء والعبيد .

وكان كفار مكة يُقسّمون الناس إلى قسمين : طائفة الأغنياء والكبراء والأمراء ، وهؤلاء من حقهم الأمر والنهي والتفكير ، وطائفة الفقراء والعبيد ، وهؤلاء يجب عليهم اتباع الكبراء ، ولا يجوز لهم التفكير أو اختيار الدّين الذي يرتضونه ، ثم جاء الإسلام دعوة عالمية ، تبين أن الناس جميعا قد خلقوا من أب واحد وأم واحدة ، وأن أكرمهم عند الله أتقاهم ، وأنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، واحتاج أهل مكة إلى وقت طويل لاستيعاب هذه الأفكار الإسلامية ، ثم فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجا ، وظل فضل السبق للمؤمنين الأوّلين كما قال سبحانه : { لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير } . ( الحديد : 10 ) .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

وبخل بمالِه فلم يعط الفقراء والمحتاجين قليلا منه .

{ وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ }

وينكرون البعثَ والجزاء . ونرى أن منع الزكاة مقرونٌ بالكفر لأن أحبَّ شيء إلى الإنسان هو المال ، وهو شقيق الروح ، ولذلك شدّد الله تعالى في هذا الموضوع وأمَرَ بالبذل والعطاء .

والزكاة كانت معروفة قبل الهجرة ، وهذه الآية مكية ، ولم تكن محدَّدة ، وإنما فُرضت وحُددت في المدينة في السنة الثانية من الهجرة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

ولما كان العبد ، -ولو حرص على الاستقامة- لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور ، أو ارتكاب منهي ، أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال : { وَاسْتَغْفِرُوهُ } ثم توَّعد من ترك الاستقامة فقال : { وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الذين لا يؤتون الزكاة } أي : الذين عبدوا من دونه من لا يملك نفعًا ولا ضرًا ، ولا موتًا ، ولا حياة ، ولا نشورًا ودنسوا أنفسهم ، فلم يزكوها بتوحيد ربهم والإخلاص له ، ولم يصلوا ولا زكوا ، فلا إخلاص للخالق بالتوحيد والصلاة ، ولا نفع للخلق بالزكاة وغيرها . { وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هم كَافِرُونَ } أى : لا يؤمنون بالبعث ، ولا بالجنة والنار ، فلذلك لما زال الخوف من قلوبهم ، أقدموا على ما أقدموا عليه ، مما يضرهم في الآخرة .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

{ الذين لا يؤتون الزكاة } لا يؤمنون بوجوبها فلا يؤدونها

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

" وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة " قال ابن عباس : الذين لا يشهدون " أن لا إله إلا الله " وهي زكاة الأنفس . وقال قتادة : لا يقرون بالزكاة أنها واجبة . وقال الضحاك ومقاتل : لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة . قرعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء ، وفيه دلالة على أن الكافر يعذب بكفر مع منع وجوب الزكاة عليه . وقال الفراء وغيره : كان المشركون ينفقون النفقات ، ويسقون الحجيج ويطعمونهم ، فحرموا ذلك على من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فنزلت فيهم هذه الآية . " وهم بالآخرة هم كافرون " فلهذا لا ينفقون في الطاعة ولا يستقيمون ولا يستغفرون . الزمخشري : فإن قلت لم خص من بين أوصاف المشركين منع الزكاة مقرونا بالكفر بالآخرة ؟ قلت : لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله ، وهو شقيق روحه ، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته وصدق نيته ونصوع طويته{[13413]} ألا ترى إلى قوله عز وجل : " ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم " [ البقرة : 265 ] أي يثبتون أنفسهم ، ويدلون على ثباتها بإنفاق الأموال ، وما خدع المؤلفة قلوبهم إلا بلمظة{[13414]} من الدنيا ، فقويت عصبتهم ولانت شكيمتهم ، وأهل الردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تظاهروا إلا بمنع الزكاة ، فنصبت لهم الحروب وجوهدوا . وفيه بعث للمؤمنين على أداء الزكاة ، وتخويف شديد من منعها ، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين ، وقُرِنَ بالكفر بالآخرة .


[13413]:الزيادة من تفسير الزمخشري.
[13414]:اللمظة في اللغة: النكتة من بياض أو سواد، والمراد بها الشيء اليسير من حطام الدنيا.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ} (7)

ولما كانت العقول والشرائع ناطقة بأن خلاصة السعادة في أمرين : التعظيم لأمر الله ، والشفقة على خلق الله ، وكان أفضل أبواب التعظيم لأمر الله الإقرار بوحدانيته ، فكان أخس الأعمال التي بين العبد وربه الإخلال بذلك ، وكان أخس الأعمال التي بين العبد وبين الخلق منع ما أوجبه الله من الزكاة ، وكان معنى الشرك الحكم بأن ما لا شيء له أصلاً وما لا يمكن أن يكون له ملك تام على شيء أصلاً قد شارك من له الكل خلقاً وتصرفاً فيما هو عليه من الملك التام الذي لا شوب فيه ، وكانت الزكاة إشراك من له ملك غير تام لمثله في جزء يسير من ماله . قال ذاماً لمن أبى أن يشارك الخلائق وأشرك بالخالق : { الذين لا يؤتون } أي أمثالهم من أولاد آدم { الزكاة } من المال الذي لا صنع لهم في خلقه ، فهو مخلف عن أبيهم آدم ، فالقياس يقتضي اشتراكهم كلهم فيه على حد سواء ، ولكنا رحمناهم بتخصيص كل واحد منهم بما ملكت يمينه منه بطريقه ، فقد حكموا في أمر ربهم بما لا يرضونه لأنفسهم ، فإنهم أبوا أن يشركوا ببذل الزكاة بعض أخوانهم في بعض مالهم الذي ملكهم له ضعيف ، وأشركوا ما لا يملك شيئاً أصلاً بما لا نفع فيه مع المالك المطلق .

ولما كان مما تضمنه إشراكهم وإنكارهم البعث أنهم أداهم شحهم إلى استغراقهم في الدنيا والإقبال بكلياتهم على لذاتها ، فأنكروا الآخرة ، فصار محط حالهم أنهم أثبتوا لمن لا فعل له أصلاً فعلاً لا يمكنه تعاطيه بوجه ، ونفوا عن الفاعل المختار الذي هم لأفعاله الهائلة في كل وقت يشاهدون ، وإليه في منافعهم ومضارهم يقصدون ، ما أثبت لنفسه من فعله ، فقال مؤكداً تنبيهاً على أن إنكارهم هذا مما لا يكاد يصدق : { وهم بالآخرة } أي الحياة التي بعد هذه ولا بعد لها { هم } أي بخاصة من بين أهل الملل { كافرون * } فاختصموا بإنكار شيء لم يوافقهم عليه أحد في حق من يشاهدون في كل وقت من أفعاله أكثر من ذلك ، وأثبتوا لمن لم يشاهدوا له فعلاً قط ما لا يمكنه فعله أصلاً ، وهم يدعون العقول الصحيحة والآراء المتينة ورضوا لأنفسهم بالدناءة في منع الزكاة وحكموا بأعظم منها على الله وهم يدعون مكارم الأخلاق ومعالي الهمم ، فأقبح بهذه عقولاً وأسفل بها همماً فقد تضمنت الآية أن الويل لمن اتصف بصفات ثلاث : الشرك الذي هو ضد التعظيم لأمر الله ، والامتناع من الزكاة الذي هو ضد الشفقة على خلق الله وإنكار القيامة المؤدي إلى الاستغراق فيما أبغض الله من طلب الدنيا ولذاتها وهو من الاستهانة بأمر الله ، قال الأصبهاني : وتمام الكلام في أنه لا زيادة على هذه المراتب الثلاثة أن الإنسان له ثلاثة أيام : أمس واليوم والغد ، فمعرفة أنه كيف كانت أحواله بالأمس في الأزل هو بمعرفة الخالق لهذا العالم ، ومعرفة كيف ينبغي وقوع الأحوال في اليوم الحاضر هو بالإحسان إلى أهل العلم بقدر الطاقة ، ومعرفة الأحوال في اليوم المستقبل بالإقرار بالبعث والقيامة ، فإذا كان الإنسان على ضد الحق في هذه المراتب الثلاثة كان في نهاية الجهل والضلال .