تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ} (4)

إعلان وحدانية الله

بسم الله الرحمن الرحيم

{ والصافات صفا ( 1 ) فالزاجرات زجرا ( 2 ) فالتاليات ذكرا ( 3 ) إن إلهكم لواحد ( 4 ) رب السماوات والأرض وما بينهما ورب المشارق ( 5 ) }

المفردات :

الصافات : جماعة من الملائكة يقفون صفوفا ، لكل واحد منهم مرتبة معينة في الشرف والفضيلة .

التفسير :

1 ، 2 ، 3 ، 4 { والصافات صفا* فالزاجرات زجرا* فالتاليات ذكرا * إن إلهكم لواحد } .

أقسم الله تعالى ببعض خلقه تنبيها لأهميته ، ولفتا للأنظار إلى عظمة هذا المخلوق ، كما أقسم سبحانه ببعض مظاهر الكون ، مثل الضحى والرياح ، والشمس والقمر والشفق ، والليل والنهار ، وكلها تلفت أنظارنا إلى عظمة الخالق سبحانه ، وتعالى ، والقسم بالملائكة يلفت أنظارنا إلى هذا الخلق العظيم ، العابد الساجد المسبح المصطف للعبادة ، المكلف بإنزال الوحي من السماء ليتلوه البشر ، أو قيام الملائكة بتلاوة آيات الله وذكره وطاعته ، وقد أخبر القرآن أن الملائكة صفوف منتظمة ، وأنهم عابدون لله حق العبادة .

قال تعالى : { وجاء ربك والملك صفا صفا } . [ الفجر : 22 ] .

وقال سبحانه : { فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون } . [ فصلت : 38 ] .

وقد ذكر المفسرون عدة أراء في المراد بهذه الصفات ، فقيل : أقسم الله بنفوس العلماء المصطفين للعبادة ، الزاجرين الناس عن المعاصي ، التالين لكتاب الله وسنة نبيه ، ذكرا لله وعبادة له .

وقيل : أقسم الله بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد ، الزاجرين للخيل أو العدوّ ، التالين لذكر الله لا يشغلهم العدوّ عنه .

والرأي الراجح عند المفسرين أن المراد بهذا القسم : طوائف الملائكة ، فهم يصفون أنفسهم في طاعة الله ، كما يصف المسلمون أنفسهم في الصلاة ، وفي السنّة الصحيحة أن الله ميز هذه الأمة وميّز رسولها ، بصف المسلمين أنفسهم في الصلاة كما تصف الملائكة ، والملائكة لها إلهام ومعونة للمؤمنين تزجرهم عن المعاصي ، وتحثهم على الطاعات ، والملائكة تبلغ وحي الله إلى الأرض ، وتذكر الله تعالى .

قال تعالى : { الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير } . [ الحج : 75 ] .

وقال سبحانه : { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم : [ الشورى : 51 ] .

وقد أرسل الله جبريل بوحي السماء ، وجعله أمينا عليه .

قال تعالى : { نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين } . [ الشعراء : 193 ، 194 ] .

وقال سبحانه : { والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى } . [ النجم : 1-7 ] .

أي أن الله تعالى أقسم بصنوف الملائكة على وحدانيته ، وأنه سبحانه وتعالى واحد أحد فرد صمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، وجواب القسم هو :

{ إن إلهكم لواحد } .

أي : ليس صنما ولا وثنا ولا أي شيء من الآلهة المدَّعاة ، بل هو سبحانه إله واحد منزه عن الشريف والمثيل ، ليس له شريك ولا ندّ ولا نظير .

قال تعالى : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا . . . } [ الأنبياء : 22 ] . وهذه مقدمة جوابها : لكن السماء والأرض لم تفسدا والنتيجة : ليس في الكون آلهة إلا الله سبحانه وتعالى .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ} (4)

" إن إلهكم لواحد " جواب القسم . قال مقاتل : وذلك أن الكفار بمكة قالوا أجعل الآلهة إلها واحدا ، وكيف يسع هذا الخلق فرد إله ! فأقسم الله بهؤلاء تشريفا . ونزلت الآية . قال ابن الأنباري : وهو وقف حسن .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ} (4)

{ إن إلهكم } أي الذي اتخذتم من دونه آلهة { لواحد * } أي فإن التفرق لا يأتي بخير ، لما يصحبه من العجز البعيد جداً عن الكمال الذي لا تكون الإلهية أصلاً إلا معه ، فإليه لا إلى غيره ترجعون ليفصل بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ، وهو الذي أنزل هذا الكتاب بعزته ورحمته وحرسه من اللبس وغيره بما سيذكر من كبريائه وعظمته ولو لم يكن واحداً لاختل أمر هذا الاصطفاف والزجر والتلاوة ، وما يترتب عليها ، فاختل نظام هذا الوجود الذي نشاهده كما نشاهد في أحوال الممالك عند اختلاف الملوك في تغيير العوائد ونسخ الشرائع التي كان من قبلها أطدها وجميع ما له من الآثار والخصائص ، ونحن نشاهد هذا الوجود على ما أحكمه سبحانه وتعالى لا يتغير شيء منه عن حاله الذي حده له ، فعلمنا أنه واحد لا محالة متفرد بالعظمة ، لا كفوء له من غير شك .

وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما تضمنت سورة يس من جليل التنبيه وعظيم الإرشاد وما يهتدي الموفق باعتبار بعضه ، ويشتغل المعتبر به في تحصيل مطلوبه وفرضه ، ويشهد بأن الملك بجملته لواحد ، وإن رغم أنف المعاند والجاحد ، أتبعها تعالى بالقسم علة وحدانيته فقال تعالى { والصافات } - الآية إلى قوله تعالى { إن إلهكم لواحد } إلى قوله { ورب المشارق } ثم عاد الكلام إلى التنبيه لعجيب مصنوعاته فقال تعالى { إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب } إلى قوله { شهاب ثاقب } ثم أتبع بذكر عناد من جحد مع بيان الأمر ووضوحه وضعف ما خلقوا منه { إنا خلقناهم من طين لازب } ثم ذكر استبعادهم العودة الأخروية وعظيم حيرتهم وندمهم إذا شاهدوا ما به كذبوا ، والتحمت الآي إلى ذكر الرسل مع أممهم وجريهم في العناد والتوقف والتكذيب على سنن متقارب ، وأخذ كل بذنبه ، وتخليص رسل الله وحزبه ، وإبقاء جميل ذكرهم باصطفائهم وقربه ، ثم عاد الكلام إلى تعنيف المشركين وبيان إفك المعتدين إلى ختم السورة - انتهى .