تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

6

المفردات :

الخطفة : الاختلاس والأخذ بسرعة على غرّة .

شهاب : هو ما يرى مضيئا مارقا بسرعة في الجو ، كأنه كوكب ساقط .

ثاقب : مضيء .

التفسير :

10-{ إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب } .

{ خطف } : أخذ الشيء بسرعة وخفية واختلاس ، وغفلة من المأخوذ منه ، أي : لا تستطيع المردة من الشياطين أن تستمع إلى حديث الملأ الأعلى من الملائكة ، إلا من اختلس منهم كلام الملائكة بسرعة وخفة ، يتفاوضون فيه من أحوال البشر ، فتصيبه شعلة من النار تحرقه أو تخبله .

{ شهاب } : واحد الشهب ، وهي أحجار صغيرة منفصلة عن الكواكب ، سابحة في فضاء الله تعالى ، فإذا وصلت في دورانها إلى جاذبية الأرض ، جذبتها فمرت بسرعة متجهة نحوها ، فمن سرعتها تحترق بقوة احتكاكها المتتابع السريع بالهواء ، ويكون لاحتراقها لمعان مستطيل .

{ ثاقب } : أي : ساطع ، وهذه الشهب تُقذَف بأمر الله العليم الحكيم : لتحرق هؤلاء المردة من الشياطين ، فسبحان من جلّت حكمته ، وأحاط بكل شيء علما .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

قوله تعالى : " إلا من خطف الخطفة " استثناء من قوله : " ويقذفون من كل جانب " وقيل : الاستثناء يرجع إلى غير الوحي ؛ لقوله تعالى : " إنهم عن السمع لمعزولون " [ الشعراء : 212 ] فيسترق الواحد منهم شيئا مما يتفاوض فيه الملائكة ، مما سيكون في العالم قبل أن يعلمه أهل الأرض ، وهذا لخفة أجسام الشياطين فيرجمون بالشهب حينئذ . وروي في هذا الباب أحادث صحاح ، مضمنها : أن الشياطين كانت تصعد إلى السماء ، فتقعد للسمع واحدا فوق واحد ، فيتقدم الأجسر نحو السماء ثم الذي يليه ثم الذي يليه ، فيقضي الله تعالى الأمر من أمر الأرض ، فيتحدث به أهل السماء فيسمعه منهم الشيطان الأدنى ، فيلقيه إلى الذي تحته فربما أحرقه شهاب ، وقد ألقى الكلام ، وربما لم يحرقه على ما بيناه . فتنزل تلك الكلمة إلى الكهان ، فيكذبون معها مائة كذبة ، وتصدق تلك الكلمة فيصدق الجاهلون الجميع كما بيناه في " الأنعام " {[13241]} . فلما جاء الله بالإسلام حرست السماء بشدة ، فلا يفلت شيطان سمع بَتّةً . والكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض . قال النقاش ومكي : وليست بالكواكب الجارية في السماء ؛ لأن تلك لا ترى حركتها ، وهذه الراجمة ترى حركتها ؛ لأنها قريبة منا . وقد مضى في هذا الباب في سورة [ الحجر ]{[13242]} من البيان ما فيه كفاية . وذكرنا في " سبأ " {[13243]} حديث أبي هريرة . وفيه ( والشياطين بعضهم فوق بعض ) وقال فيه الترمذي حديث حسن صحيح . وفيه عن ابن عباس : ( ويختطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه إلى أوليائهم فما جاؤوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يحرفونه ويزيدون ) . قال هذا حديث حسن صحيح . والخطف : أخذ الشيء بسرعة ؛ يقال{[13244]} : خَطَفَ وخَطِف وخَطّف وخِطّف وخِطّف . والأصل في المشددات اختطف فأدغم التاء في الطاء لأنها أختها ، وفتحت الخاء ؛ لأن حركة التاء ألقيت عليها . ومن كسرها فلالتقاء الساكنين . ومن كسر الطاء أتبع الكسر الكسر .

قوله تعالى : " فأتبعه شهاب ثاقب " أي مضيء ، قاله الضحاك والحسن وغيرهما . وقيل : المراد كواكب النار تتبعهم حتى تسقطهم في البحر . وقال ابن عباس في الشهب : تحرقهم من غير موت . وليست الشهب التي يرجم الناس بها من الكواكب الثوابت . يدل على ذلك رؤية حركاتها ، والثابتة تجري ولا ترى حركاتها لبعدها . وقد مضى هذا . وجمع شهاب شهب ، والقياس في القليل أشهبة وإن لم يُسمع من العرب و " ثاقب " معناه مضيء ، قاله الحسن ومجاهد وأبو مجلز . ومنه قوله :

وزندُكَ أثقبُ أزْنَادِهَا

أي أضوأ . وحكى الأخفش في الجمع : شُهُبٌ ثُقُبٌ وثواقب وثقاب . وحكى الكسائي : ثقبت النار تثقب ثقابةً وثقوبا إذا اتقدت ، وأثقبتها أنا . وقال زيد بن أسلم في الثاقب : إنه المستوقد ، من قولهم : أثقب زندك أي استوقد نارك ، قاله الأخفش . وأنشد قول الشاعر :

بينما المرءُ شهابٌ ثاقبٌ *** ضَربَ الدَّهْرُ سَنَاهُ فَخَمَدْ


[13241]:راجع ج 7 ص 3 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13242]:راجع ج 10 ص 10 وما بعدها طبعة أولى أو ثانية.
[13243]:راجع 14 ص 296 طبعة أولى أو ثانية.
[13244]:زيادة يقتضيها السياق، ويدل عليها ما في إعراب القرآن للنحاس.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{إِلَّا مَنۡ خَطِفَ ٱلۡخَطۡفَةَ فَأَتۡبَعَهُۥ شِهَابٞ ثَاقِبٞ} (10)

ولما ثبت بهذا حراسة القرآن بقدرة الملك الديان عن لبس الجان ، وكان بعضهم مع هذا يسمع في بعض الأحايين ما أراد الله أن يسمعه ليجعله فتنة لمن أراد من عباده مع تميز القرآن بالإعجاز ، استثنى من فاعل { يسمعون } قوله : { إلا من خطف } ودل على قلة ذلك بعد إفراد الضمير بقوله : { الخطفة } أي اختلس الكلمة أو أكثر ، مرة من المرات منهم ، ودل على قوة انقضاض الكواكب في أثره بالهمزة في قوله : { فأتبعه } مع تعديه بدونها ، أي تبعه بغاية ما يكون من السرعة حتى كأنه يسوق نفسه ويتبعها له كأن الله سبحانه وعز شأنه هيأها لئلا تنقض إلا في أثر من سمع منهم حين سماعه سواء لا يتخلف { شهاب } أي شعلة نار من الكوكب أو غيره { ثاقب * } أي يثقب ما صادفه من جني وغيره وإن كان الجني من نار فإنه ليس ناراً خالصة ، وعلى التنزل فربما كان الشيء الواحد أنواعاً بعضها أقوى من بعض ، فيؤثر أقواه في أضعفه كالحديد ، وتارة يخطئ الجني وتارة يصيبه ، وإذا أصابه فتارة يحرقه فيتلفه وتارة يضعفه .