تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (15)

{ يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد( 15 ) إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد( 16 ) وما ذالك على الله بعزيز( 17 ) ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير( 18 ) }

المفردات :

الفقراء إلى الله : المحتاجون إليه .

الغنى : المستغني عنكم أيها الناس وعن سائر خلقه .

الحميد : المحمود بأفعاله وأقواله وحسن تدبيره أو كل الخلائق تحمده بكل لسان .

التفسير :

{ يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد }

نداء إلهي علوي يبصر الإنسان بحقيقة افتقاره إلى الله الذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره وأنزل له الكتب وأرسل إليه الرسل وهداه النجدين وبين له الطريقين ثم هو سبحانه لم يغلق بابه في وجه هذا الإنسان بل فتح له باب التوبة على مصراعيه يسمع النداء ويجيب الدعاء ويرشد المسترشدين ويهدي الضالين ويأخذ بيد التائبين فما أعز جنابه وما أغناه عن عباده وهو سبحانه المحمود على عطاياه الرؤوف الرحيم بالخلق أجمعين يتفضل بالنعم ويعطي الجميع قبل أن يسألوه فما أكثر نعمائه وما أجل ثناءه وصدق الله العظيم حيث يقول : الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار* وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار* واتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار . ( إبراهيم : 32-34 ) .

كم من شدة فرجها وكم من ظلمة بددها وكم من عسر يسره وكم من ذليل أعزه وكم من عزيز أذله وكم من غني أفقره وكم من فقير أغناه وكم من ضال هداه وكم من مستجير أجاره وكم من مضطر أجابه وكم من بائس يائس أجابه وأكرمه فله الحمد في الأولى والآخرة وله الثناء الحسن الجميل وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول : " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت ضياء السماوت والأرض ومن فيهن ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن ولك الحمد ، لا إله إلا أنت وعدك حق والجنة حق ، والنبيون حق ومحمد صلى الله عليه وسلم حق " . xi

اللهم ربنا لك الحمد أنت الغني ونحن الفقراء إليك اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ} (15)

قوله تعالى : " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله " أي المحتاجون إليه في بقائكم وكل أحوالكم . الزمخشري : " فإن قلت لم عرف الفقراء ؟ قلت : قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء ، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم لأن الفقر مما يتبع الضعف ، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر كلهم وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله : " وخلق الإنسان ضعيفا " {[13131]} [ النساء : 28 ] ، وقال : " الله الذي خلقكم من ضعف " {[13132]} [ الروم : 54 ] ولو نكر لكان المعنى : أنتم بعض الفقراء . فإن قلت : قد قوبل " الفقراء " ب " الغني " فما فائدة " الحميد " ؟ قلت : لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم ، وليس كل غني نافعا بغناه إلا إذا كان الغني جوادا منعما ، وإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق عليهم الحج ذكر " الحميد " ليدل به على أنه الغني النافع بغناه خلقه ، الجواد المنعم عليهم ، المستحق بإنعامه عليهم أن يحمدوه " . وتخفيف الهمزة الثانية أجود الوجوه عند الخليل ، ويجوز تخفيف الأولى وحدها وتخفيفهما وتحقيقهما جميعا . " والله هو الغني الحميد " تكون " هو " زائدة ، فيكون لها موضع من الإعراب ، وتكون مبتدأة فيكون موضعها رفعا .


[13131]:راجع ج 5 ص 168.
[13132]:راجع ج 46 من هذا الجزء.