امرأة فرعون : هي آسية بنت مزاحم .
نجني من فرعون وعمله : خلِّصني منه ، فإني أبرأ إليك منه ومن عمله .
القوم لظالمين : هم الوثنيون أقباط مصر – في ذلك الوقت – وحاشية فرعون .
11-{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } .
ونموذج آخر حيّ للإيمان والمثل الأعلى الصالح ، امرأة فرعون ، كانت تحت أعظم ملك ، ومعها القصور والجاه ، لكنها لما آمنت بموسى زهدت في كل شيء ، وعذّبها فرعون بأربعة أوتاد ، من يديها ورجليها ، لكنها رفضت كل إغراء ، وطلبت النجاة من فرعون وعمله ، والنجاة من حاشيته وأتباعه ، وأن يكون بيتها عند الله في الجنة ، في معية الله ورحمته ، وفضله ورعايته .
ما أحسن هذا الكلام ، فقد اختارت الجار قبل الدار حيث قالت : ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ . فهي تطمع في جوار الله قبل طمعها في القصور ، وفي الآية دليل على إيمانها بالبعث والدار الآخرة .
كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم ، فو الله ما ضرّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ، ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل ، لا يؤاخذ أحدا إلا بذنبه .
{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ } وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } فوصفها الله بالإيمان والتضرع لربها ، وسؤالها لربها أجل المطالب ، وهو دخول الجنة ، ومجاورة الرب الكريم ، وسؤالها أن ينجيها الله من فتنة فرعون وأعماله الخبيثة ، ومن فتنة كل ظالم ، فاستجاب الله لها ، فعاشت في إيمان كامل ، وثبات تام ، ونجاة من الفتن ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : { كمل من الرجال كثير ، ولم يكمل من النساء ، إلا مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم ، وخديجة بنت خويلد ، وفضل عائشة على النساء ، كفضل الثريد على سائر الطعام } .
ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً فقال : { وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون } وهي آسية بنت مزاحم . قال المفسرون : لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون ، ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس . قال سلمان : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة . { إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة } فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته . وفي القصة : أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها ، فلما أتوها بالصخرة قالت : رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ، فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء ، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه ، ولم تجد ألماً . وقال الحسن وابن كيسان : رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب . { ونجني من فرعون وعمله } قال مقاتل : { وعمله } يعني الشرك . وقال أبو صالح عن ابن عباس { وعمله } قال : جماعه . { ونجني من القوم الظالمين } الكافرين .
ولما أتم مثل النذارة بأن طاعة المطيع لا تنفع العاصي وإن كان أقرب الناس إلى المطيع إلا إن كان له أساس يصح البناء عليه ، ويجوز الاعتداد به والنظر إليه ، أتبعه مثل البشارة بأن عصيان العاصي لا يضر المطيع فقال : { وضرب الله } أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال { مثلاً للذين آمنوا } ولو كان في أدنى درجات الإيمان مبيناً لأن وصلة الكفار إذا كانت على وجه الإكراه والإجبار لا تضر { امرأت فرعون } واسمها آسية بنت مزاحم ، آمنت وعملت صالحاً فلم تضرها الوصلة بالكافر بالزوجية التي هي من أعظم الوصل ولا نفعه إيمانها
{ كل امرىء بما كسب رهين }[ الطور : 21 ] وأثابها ربها سبحانه أن جعلها زوجة خير خلقه محمد صلى الله عليه وسلم في دار كرامته بصبرها على عبادة الله وهي في{[66572]} حبالة عدوه ، وأسقط وصفه بالعبودية دليلاً على تحقيره وعدم رحمته لأنه أعدى أعدائه ، وأشار إلى وجه الشبه في المثل وهو التحيز إلى حزب الله بقدر الوسع فقال{[66573]} : { إذ } أي مثلهم مثلها حين { قالت } تصديقاً بالبعث منادية نداء الخواص بإسقاط الأداة لأجل أنها مؤمنة وإن كانت تحت كافر بنا فلم تضر صحبته شيئاً لأجل إيمانها : { رب } أي أيها المحسن إليّ بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبار ولم تغرني بعز الدنيا وسعتها { ابن لي } .
ولما كان الجار{[66574]} مطلوباً - كما قالوا - قبل الدار ، طلبت خير جار وقدمت الظرف اهتماماً به لنصه على المجاورة ولدلالته على الزلفى فقالت : { عندك بيتاً } وعينت مرادها بالعندية فقالت : { في الجنة } لأنها{[66575]} دار المقربين فظهر من أول كلامها وآخره أن مطلوبها أخص داره ، وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة لخاتم رسله الذي هو خير خلقه وأقربهم منه ، فكانت معه في منزله الذي هو {[66576]}أعلى المنازل{[66577]} .
ولما سألت ما حيّزها إلى جناب الله سألت ما يباعدها في الدارين من أعدائه فقالت : { ونجني } أي تنجية عظيمة { من فرعون } أي فلا أكون عنده ولا تسلطه عليّ بما يضرني عندك { وعمله } أي أن أعمل بشيء منه { ونجني } أعادت العامل تأكيداً { من القوم الظالمين * } أي الناس الأقوياء العريقين في أن يضعوا أعمالهم في غير مواضعها التي أمروا بوضعها فيها فعل من يمشي في الظلام عامة ، وهم القبط ، لا تخالطني بأحد منهم ، فاستجاب الله تعالى دعاءها وأحسن إليها لأجل محبتها للمحبوب وهو موسى عليه الصلاة والسلام كما يقال : صديق{[66578]} صديقي داخل في صداقتي ، وذلك أن{[66579]} موسى عليه الصلاة والسلام لما غلب السحرة آمنت به فعذبها فرعون فماتت بعد أن أراها الله بيتها في الجنة ولم يضرها كونها تحت فرعون شيئاً لأنها كانت معذورة في ذلك ، فالآية من الاحتباك : حذف أولاً " فلم تسألا{[66580]} الجنة " لدلالة " رب ابن لي " ثانياً عليه ، وحذف ثانياً " كانت تحت كافر " لدلالة الأول عليه .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.