تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

19

المفردات :

مثوى : إقامة دائمة .

وإن يستعتبوا : وإن يطلبوا الرضا عنهم ، أو قبول عذرهم .

فما هم من المعتبين : فما هم من المجابين إلى ما يسألون .

التفسير :

24- { فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين } .

أي : لا أمل في الخلاص ، فقد أوصدت عليهم جهنم ، والصبر وعدم الصبر سواء ، فإن امتنعوا عن الشكوى ، ولاذُوا بالصبر والصمت فالنار مقرهم الدائم ، ودار الثواء والإقامة الأبدية ، وإن طلبوا العتبى والرجاء في الصفح والعفو وقبول أعذارهم ، لم يجدوا من يستجيب لهم .

وفي هذا المعنى يقول القرآن الكريم على لسانهم : { سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص } . ( إبراهيم : 21 ) .

قال ابن جرير :

ومعنى قوله تعالى : { وإن يستعتبوا } . أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا ، فلا جواب لهم ، قال : وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم : { قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين * ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون *قال اخسئوا فيها ولا تكلمون } . ( المؤمنون : 106-108 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

{ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ } فلا جَلَدَ عليها ، ولا صبر ، وكل حالة قُدِّر إمكان الصبر عليها ، فالنار لا يمكن الصبر عليها ، وكيف الصبر على نار ، قد اشتد حرها ، وزادت على نار الدنيا ، بسبعين ضعفًا ، وعظم غليان حميمها ، وزاد نتن صديدها ، وتضاعف برد زمهريرها وعظمت سلاسلها وأغلالها ، وكبرت مقامعها ، وغلظ خُزَّانها ، وزال ما في قلوبهم من رحمتهم ، وختام ذلك سخط الجبار ، وقوله لهم حين يدعونه ويستغيثون : { اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ }

{ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا } أي : يطلبوا أن يزال عنهم العتب ، ويرجعوا إلى الدنيا ، ليستأنفوا العمل . { فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ } لأنه ذهب وقته ، وعمروا ، ما يعمر فيه من تذكر وجاءهم النذير وانقطعت حجتهم ، مع أن استعتابهم ، كذب منهم { وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

ثم أخبر عن حالهم فقال :{ فإن يصبروا فالنار مثوىً لهم } مسكن لهم ، { وإن يستعتبوا } يسترضوا ويطلبوا العتبى ، { فما هم من المعتبين } المرضين ، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل ، يقال : اعتبني فلان ، أي : أرضاني بعد إسخاطه إياي ، واستعتبته : طلبت منه أن يعتب ، أي : يرضى .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{فإن يصبروا} على النار.

{فالنار مثوى لهم} يعني فالنار مأواهم.

{وإن يستعتبوا} في الآخرة، {فما هم من المعتبين}: وإن يستقيلوا ربهم في الآخرة، فما هم من المقالين، لا يقبل ذلك منهم.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: فإن يصبر هؤلاء الذين يحشرون إلى النار على النار، فالنار مسكن لهم ومنزل، "وإنْ يَسْتَعْتِبُوا "يقول: وإن يسألوا العُتبى، وهي الرجعة لهم إلى الذي يحبون بتخفيف العذاب عنهم، "فَمَا هُمْ مِنَ المَعْتَبِينَ" يقول: فليسوا بالقوم الذين يرجع بهم إلى الجنة، فيخفف عنهم ما هم فيه من العذاب.

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

المثوى: المنزل.

(وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين) الاستعتاب طلب الإعتاب، والإعتاب أن يعود الإنسان إلى ما يحبه بعد أن فعل ما يكرهه.

(فإن يصبروا): فإن يصبروا أو لا يصبروا. ومعناه: لا ينفعهم صبر ولا جزع...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

{فإن يصبروا} مخاطبة لمحمد عليه السلام، والمثوى: موضع الإقامة.

وقرأ جمهور الناس: «وإن يَستعتِبوا» بفتح الياء وكسر التاء الأخيرة على إسناد الفعل إليهم. «فما هم من المعتبين» بفتح التاء على معنى: وإن طلبوا العتبى وهي الرضى فما هم ممن يعطوها ويستوجبها. وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد وموسى الأسواري: «وإن يُستعتَبوا» بضم الياء وفتح التاء «فما هم من المعتِبين» بكسر التاء على معنى: وإن طلب منهم خير أو إصلاح فما هم ممن يوجد عنده، لأنهم قد فارقوا الدنيا دار الأعمال... ويحتمل أن تكون هذه القراءة بمعنى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28].

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ثم يجيء التعقيب الأخير:

(فإن يصبروا فالنار مثوى لهم)..

يا للسخرية! فالصبر الآن صبر على النار؛ وليس الصبر الذي يعقبه الفرج وحسن الجزاء. إنه الصبر الذي جزاؤه النار قراراً ومثوى يسوء فيه الثواء!

(وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)..

فما عاد هناك عتاب، وما عاد هناك متاب. وقد جرت العادة أن الذي يطلب العتاب يطلب من ورائه الصفح والرضى بعد إزالة أسباب الجفاء. فاليوم يغلق الباب في وجه العتاب. لا الصفح والرضى الذي يعقب العتاب!

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

تفريع على جواب {إذا} [فصلت: 20] على كلا الوجهين المتقدمين، أو تفريع على جملة {وَقَالُوا لِجُلُودِهِم لِمَ شَهِدْتُم عَلَيْنا} [فصلت: 21]، أو هو جواب {إذا}، وما بينهما اعتراض على حسب ما يناسب الوُجوه المتقدمة. والمعنى على جميع الوجوه: أن حاصل أمرهم أنهم قد زُجَّ بهم في النار فإن صَبَروا واستسلموا فهم باقون في النار، وإن اعتذروا لم ينفعهم العذر ولم يقبل منهم تنصل.

{فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُم} دليل جواب الشرط لأن كون النار مثوى لهم ليس مُسبَّباً على حصول صبرهم وإنما هو من باب قولهم: إن قَبِل ذلك فذاك، أي فهو على ذلك الحال، فالتقدير: فإن يصبروا فلا يَسَعُهم إلا الصبر لأن النار مثوى لهم.

ومعنى {وَإن يَسْتَعتِبُوا} إنْ يسألوا العُتْبَى (بضم العين وفتح الموحدة مقصوراً اسم مصدر الإِعتاب) وهي رجوع المعتُوب عليه إلى ما يُرضي العاتب. وفي المَثل « مَا مُسيء من أعْتَبَ» أي من رجع عمَّا أساء به فكأنه لم يسئ. وقلما استعملوا المصدر الأصلي بمعنى الرجوع استغناء عنه باسم المصدر وهو العتبى. والعاتب هو اللائم، والسين والتاء فيه للطلب لأن المرء لا يسأل أحداً أن يعاتبه وإنما يسأله ترك المعاتبة، أي يسأله الصفح عنه فإذا قبل منه ذلك قيل: أَعْتبه أيضاً، وهذا من غريب تصاريف هذه المادة في اللغة ولهذا كادوا أن يميتوا مصدر: أعتب بمعنى رجَع وأبقوه في معنى قَبِل العُتَبى، وهو المراد في قوله تعالى: {فَمَا هُم مِنَ المُعتَبِينَ} أي أن الله لا يُعتبهم، أي لا يقبل منهم.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

أي: فإنْ يصبروا على ما هم عليه ويصروا على الكفران والجدل مع الرسل، ماذا يحدث {فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} أمر من اثنين. الإنسان حين يخالف أوامر خالقه ويأتيه رسول يقول له، لا تفعل فإنْ كفّ فهو خير له، وإنْ أصرَّ وتمادى فالنار مثوىً له.

ومعنى {يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ} يستعتبوا يطلبون العتبى. يقال: عتب فلان على فلان. يعني: لامه على أمر ما كان يصح أنْ يكون منه، يقول: مثلاً أنا مرضتُ فلم تزرني، هذا عتاب، فيقول: معذرة فقد كنت مشغولاً بكذا وكذا فساعة يُبيِّن له العذر فقد أعتبه يعني أزال عتبه، وهذا لا يكون لهم في الآخرة فإن طلبوا العتاب لم يعتبوا.

لذلك جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عائد من الطائف بعد أن آذاه قومها، قال فيما قال صلى الله عليه وسلم وهو يناجي ربه:"لك العُتْبى حتى ترضى" يعني: إنْ كان بدر مني شيء يغضبك فأنا أزيله وأعترف أنني ضعيف أطلب قبول العتاب...

إذن: أنت لا تعاتب إلا إذا كنتَ محباً لمن تعاتبه، حريصاً على علاقتك به. نقول: عتبت عليه فأعتبني يعني: أزال عَتْبي، أما هؤلاء في الآخرة فلن يقبل اللهُ منهم عتاباً ولن يزيل عتبهم، والهمزة في أعتب تسمَّى همزة الإزالة...

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

قوله تعالى : " فإن يصبروا فالنار مثوى لهم " أي فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مثوى لهم . نظيره : " فما أصبرهم على النار " [ البقرة : 175 ] على ما تقدم{[13434]} . " وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين " في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم " فما هم من المعتبين " . وقيل : المعنى " فإن يصبروا " في النار أو يجزعوا " فالنار مثوى لهم " أي لا محيص لهم عنها ، ودل على الجزع قوله : " وإن يستعتبوا " لأن المستعتب جزع والمعتب المقبول عتابه . قال النابغة :

فإن أكُ مظلومًا فعبدٌ ظلمتَه *** وإن تكُ ذا عُتْبَى فمثلُك يُعْتِبُ

أي مثلك من قبل الصلح والمراجعة إذا سئل . قال الخليل : العتاب مخاطبة الإدلال ومذاكرة الموجدة . تقول : عاتبته معاتبة ، وبينهم أعتوبة يتعاتبون بها . يقال : إذا تعاتبوا أصلح ما بينهم العتاب . وأعتبني فلان : إذا عاد إلى مسرتي راجعا عن الإساءة ، والاسم منه العتبى ، وهو رجوع المعتوب عليه إلى ما يرضي العاتب . واستعتب وأعتب بمعنى ، واستعتب أيضا طلب أن يعتب ، تقول : استعتبته فأعتبني أي استرضيته فأرضاني . فمعنى " وإن يستعتبوا " أي طلبوا الرضا لم ينفعهم ذلك بل لا بد لهم من النار . وفي التفاسير : وإن يستقيلوا ربهم فما هم من المقالين . وقرأ عبيد بن عمير وأبو العالية " وإن يستعتبوا " بفتح التاء الثانية وضم الياء على الفعل المجهول " فما هم من المعتبين " بكسر التاء أي إن أقالهم الله وردهم إلى الدنيا لم يعملوا بطاعته لما سبق لهم في علم الله من الشقاء ، قال الله تعالى : " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [ الأنعام : 28 ] ذكره الهروي . وقال ثعلب : يقال أعتب إذا غضب وأعتب إذا رضي .


[13434]:راجع ج 2 ص 236 طبعة ثانية.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{فَإِن يَصۡبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثۡوٗى لَّهُمۡۖ وَإِن يَسۡتَعۡتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلۡمُعۡتَبِينَ} (24)

ولما كان ذلك ، تسبب عنه قوله لافتاً القول عن خطابهم إيذاناً بشدة الغضب وإشارة إلى أنهم لما وصلوا إلى ما ذكر من الحال أعيا عليهم المقال ، فلم يقدروا على نطق بلسان ، ولا إشارة برأس ولا بنان : { فإن يصبروا } أي على ما جوزوا به فليس صبرهم بنافعهم ، وهو معنى قوله : { فالنار مثوى } أي منزلاً { لهم وإن يستعتبوا } أي يطلبوا الرضى بزوال العتب ، وهو المؤاخذة بالذنب { فما هم من المعتبين * } أي المرضيين الذين يزال العتب عليهم ليعفي عنهم ويترك عذابهم .