نسوا الله : أي : نسوا حقه ، فتركوا أوامره ، ولم ينتهوا عن نواهيه .
فأنساهم أنفسهم : أي : أنساهم حظوظ أنفسهم ، فلم يقدموا لها خيرا ينفعها .
19- { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .
أي : ولا يكن حالكم كحال قوم تركوا العمل بحقوق الله التي أوجبها على عباده فزان على قلوبهم وأنساهم العمل الصالح الذي ينجيهم من عقابه ، فضلوا ضلالا بعيدا فجازاهم بما هم له أهل ، وما هم مستحقون ، جزاء وفاقا لما دسوا به أنفسهم وأوقعوها في المعاصي والآثام ، ومن ثم حكم عليهم بالهلاك قائلا :
{ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } .
أي : أولئك هم الذين خرجوا على طاعة الله فاستحقوا عقابه يوم القيامة .
ونحو الآية قوله تعالى : { يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون } . ( المنافقون : 9 ) .
خطب أبو بكر فقال : أما تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم ؟ فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله عز وجل فليفعل ، ولن تنالوا ذلك إلا بتوفيق الله عز وجل ، إن قوما جعلوا آجالهم لغيرهم فنهاكم الله عز وجل أن تكونوا أمثالهم ، فقال : { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ . . . }أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن ، وحصنوها بالحوائط ؟ قد صاروا تحت الصخر والآبار ، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه ، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة ، واستضيئوا بسنائه وبيانه ، إن الله أثنى على زكريا وأهل بيته ، فقال تعالى : { إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين } . ( الأنبياء : 90 ) . لا خير في قول لا يراد به وجه الله ، ولا خير في مال لا ينفق في سبيل الله ، ولا خير فيمن يغلب جهله حلمه ، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم .
والحرمان كل الحرمان ، أن يغفل العبد عن هذا الأمر ، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه ، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها ، فلم ينجحوا ، ولم يحصلوا على طائل ، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم ، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها ، فصار أمرهم فرطا ، فرجعوا بخسارة الدارين ، وغبنوا غبنا ، لا يمكنهم تداركه ، ولا يجبر كسره ، لأنهم هم الفاسقون ، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في معاصيه .
ولما هز إلى تقواه تارة بالخوف وأخرى{[64138]} بالحياء تأكيداً لها ، وعلل ذلك بما له شعبة من التحذير{[64139]} ، وكان الإنسان لما له من النسيان أحوج إلى التحذير ، قال مؤكداً لشعبته وإيضاحاً لأن التقوى الثانية{[64140]} لمحاسبة النفس في تصفية العمل : { ولا تكونوا } أيها{[64141]} المحتاجون إلى التحذير وهم الذين آمنوا{[64142]} { كالذين نسوا الله } أي{[64143]} أعرضوا عن أوامره ونواهيه وتركوها ترك الناسين لمن برزت عنه مع ما له من صفات الجلال والإكرام لما استغواهم به من أمره الشيطان حتى أبعدهم جداً عن العمران { فأنساهم } أي فتسبب عن ذلك أنه أنساهم بما له من الإحاطة بالظواهر والبواطن { أنفسهم } فلم يقدموا لها ما ينفعها وإن قدموا شيئاً كان مشوباً بالمفسدات {[64144]}من الرياء{[64145]} والعجب ، فكانوا ممن قال فيه . سبحانه وتعالى :{ وجوه يومئذ خاشعة عاملة {[64146]}ناصبة تصلى ناراً حامية تسقى من عين آنية{[64147]} }[ الغاشية : 2 - 3 - 4 - 5 ] لأنهم لم يدعوا باباً من أبواب الفسق فإن رأس الفسق الجهل بالله ، ورأس العلم ومفتاح الحكمة معرفة النفس ، فأعرف{[64148]} الناس بنفسه{[64149]} أعرفهم بربه{[64150]} " من عرف نفسه{[64151]} فقد عرف ربه{[64152]} " .
ولما كانت ثمرة ذلك أنهم أضاعوها - {[64153]}أي التقوى{[64154]}- فهلكوا قال : { أولئك } أي البعيدون من كل خير { هم } أي خاصة {[64155]}دون غيرهم{[64156]} { الفاسقون * } أي العريقون {[64157]}في المروق{[64158]} من دائرة الدين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.