تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

المفردات :

أدبار السجود : أعقاب الصلوات ، واحدها : دبر ( بضم فسكون ، أو بضمتين ) .

36

المفردات :

سبح بحمد ربك : نزهه عن كل نقص ، وأكثر من حمده وشكره .

التفسير :

39 ، 40- { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب * ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } .

فاصبر على ما يقولون المشركون من الكفر ، أو إنكار البعث ، وانشغل عنهم بمناجاة الله ، والتسبيح بحمد الله ، خصوصا في أوقات تظهر فيها عظمته وجلاله ، قبل طلوع الشمس حين ينتهي الليل ، ويأتي نور النهار رويدا رويدا ، وكذلك قبل الغروب حين تكون الشمس على سعف النخيل ، حين يتغير لونها إلى الصفرة والحمرة ، وترسل خيوطها الذهبية ، تودع هذه الدنيا ، وتظهر جلال القدرة التي خلقت هذا الكون ، وتطلب من صاحب الفطرة السليمة أن يقول : سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم ، فما أجل الروعة قل الشروق وقبل الغروب .

وقد كان أهل سبأ يسجدون للشمس من دون الله ، وعلى لسان الهدهد يقول القرآن الكريم :

{ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ( 24 ) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ( 25 ) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ( 26 ) } . ( النمل : 24- 26 ) .

ويقول سبحانه وتعالى : { وَمِنْ آَيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } . ( فصلت : 37 ) .

وكذلك أمرنا الله أن نسجد له سبحانه في أوقات متعددة من الليل ، عندما نرى الظلام الدامس ، والنجوم توصوص من بعيد ، ولسان الحال يرشد أن الله ما سكن وما تحرك في الليل والنهار .

والمراد : اذكر الله في أوقات متعددة بالنهار والليل ، حين يتحرك القلب وتهتز النفس برؤية مظاهر القدرة والعظمة في الصباح والمساء ، وأثناء الليل أو في وقت السحر والهزيع الأخير من الليل .

قال تعالى : { والمستغفرين بالأسحار } . ( آل عمران : 17 ) .

وقال سبحانه : { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون } . ( الروم : 17 ، 18 ) .

وقال ابن عباس :

المراد بالتسبيح والتحميد قبل طلوع الشمس : صلاة الفجر ، وقبل الغروب : الظهر والعصر ، ومن الليل : المغرب والعشاء ، وأدبار السجود : النوافل بعد الفرائض ، أو التسبيح بعد الصلاة .

وروى البخاري ، عن ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسبح في أدبار الصلوات كلها14 ، يعني قوله : { وأدبار السجود } .

وروى البخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة أنه قال : جاء فقراء المهاجرين فقالوا : يا رسول الله ، ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم ، فقال : ( وما ذاك ) ؟ قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أفلا أعلمكم شيئا إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من فعل مثل ما فعلتم ؟ تسبحون وتحمدون وتكبرون الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ) . ففعلوا ذلك ، ثم عمل الأغنياء مثل عملهم ، فقالوا : يا رسول الله ، سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )15 .

وشبيه بهذه الآية قوله تعالى : { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى } . ( طه : 130 ) .

ومن العلماء من رأى أن المراد من الآيتين : صلاة العصر ، وصلاة الفجر ، وصلاة السحر ، حيث ورد في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون في صلاة العصر وفي صلاة الفجر ، اقرأوا إن شئتم قول الله تعالى : { وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا }16 . ( الإسراء : 78 ) .

ورأى بعضهم أن المراد من الصلاة الوسطى صلاة العصر حيث أقسم الله بالعصر فقال : { والعصر } . ( العصر : 1 ) .

وقال تعالى : { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين } . ( البقرة : 238 ) .

وفي مصحف ابن مسعود زيادة تفسيرية هكذا : ( والصلاة الوسطى – صلاة العصر ) .

والمتتبع لطريقة القرآن الكريم في تثبيت العقيدة ، يلحظ أنه كثيرا ما يلفت الأنظار إلى مظاهر الكون في خلق السماء والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، وأقسم الله تعالى بهذه المظاهر الكونية ليرشدنا إلى ما فيها من دلالة على عظمة الله .

قال سبحانه : { كلا والقمر * والليل إذ أدبر * والصبح إذا أسفر * إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر * لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر } . ( المدثر : 32-37 ) .

وقال عز شأنه :

{ فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } . ( الواقعة : 75 ، 76 ) .

وانظر إلى قسمه سبحانه وتعالى بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، ولم يجتمع أكثر من القسم بخمسة أشياء إلا في صدر سورة الشمس حيث يقول سبحانه وتعالى : { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ( 1 ) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ( 2 ) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ( 3 ) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ( 4 ) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ( 5 ) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ( 6 ) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ( 7 ) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ( 8 ) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ( 9 ) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ( 10 ) } . ( الشمس : 1-10 ) .

وقال تعالى : { فلا أقسم بالشفق * والليل وما وسق * والقمر إذا اتسق * لتركبن طبقا عن طبق } . ( الانشقاق : 16-19 ) .

ومن وراء ما نراه ونبصره عوالم كثيرة ، ومخلوقات متعددة ، علمها عند علام الغيوب .

قال تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون * إنه لقول رسول كريم } . ( الحاقة : 38-40 ) .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

وفي أوقات الليل ، وأدبار الصلوات . فإن ذكر الله تعالى ، مسل للنفس ، مؤنس لها ، مهون للصبر .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

{ ومن الليل فسبحه } أي صلاتي العشاء { وأدبار السجود } أي الركعتين بعد المغرب

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

الثالثة- قوله تعالى : " ومن الليل فسبحه وأدبار السجود " فيه أربعة أقوال : الأول : هو تسبيح الله تعالى في الليل ، قاله أبو الأحوص . الثاني : أنها صلاة الليل كله ، قاله مجاهد . الثالث : أنها ركعتا الفجر ، قاله ابن عباس . الرابع : أنها صلاة العشاء الآخرة ، قاله ابن زيد . قال ابن العربي : من قال إنه التسبيح في الليل فيعضده الصحيح ( من تعار{[14189]} من الليل فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شي قدير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) . وأما من قال إنها الصلاة بالليل فإن الصلاة تسمى تسبيحا لما فيها من تسبيح الله ، ومنه سبحة الضحى . وأما من قال : إنها صلاة الفجر أو العشاء فلأنهما من صلاة الليل ، والعشاء أوضحه .

الرابعة- " وأدبار السجود " قال عمر وعلي وأبو هريرة والحسن بن علي والحسن البصري والنخعي والشعبي والأوزاعي والزهري : أدبار السجود الركعتان بعد المغرب ، وأدبار النجوم الركعتان قبل الفجر ، ورواه العوفي عن ابن عباس ، وقد رفعه ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ركعتان بعد المغرب أدبار السجود ) ذكره الثعلبي . ولفظ الماوردي : وروي عن ابن عباس قال : بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين قبل الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة فقال : ( يا ابن عباس ركعتان قبل الفجر أدبار النجوم وركعتان بعد المغرب أدبار السجود ) . وقال أنس : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من صلى ركعتين بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين " . قال أنس فقرأ في الركعة الأولى " قل يا أيها الكافرون " [ الكافرون : 1 ] وفي الثانية " قل هو الله أحد " [ الإخلاص : 1 ] قال مقاتل : ووقتها ما لم يغرب الشفق الأحمر . وعن ابن عباس أيضا : هو الوتر . قال ابن زيد : هو النوافل بعد الصلوات ، ركعتان بعد كل صلاة مكتوبة ، قال النحاس : والظاهر يدل على هذا إلا أن الأولى اتباع الأكثر وهو صحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال أبو الأحوص : هو التسبيح في أدبار السجود . قال ابن العربي : وهو الأقوى في النظر . وفي صحيح الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر الصلاة المكتوبة ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد{[14190]} ) وقيل : إنه منسوخ بالفرائض فلا يجب على أحد إلا خمس صلوات ، نقل ذلك الجماعة .

الخامسة- قرأ نافع وابن كثير وحمزة " وإدبار السجود " بكسر الهمزة على المصدر من أدبر الشيء إدبارا إذا ولى . الباقون بفتحها جمع دبر . وهي قراءة علي وابن عباس ، ومثالها طُنُب وأطناب ، أو دبر كقفل وأقفال . وقد استعملوه ظرفا نحو جئتك في دبر الصلاة وفي أدبار الصلاة . ولا خلاف في آخر " والطور " . " وإدبار النجوم " [ الطور : 49 ] أنه بالكسر مصدر ، وهو ذهاب ضوئها إذا طلع الفجر الثاني ، وهو البياض المنشق من سواد الليل .


[14189]:تعار: استيقظ.
[14190]:"ولا ينفع ذا الجد منك الجد" أي لا ينفع ذا الغني منك غناء وإنما ينفعه الإيمان والطاعة. (النهاية لابن الأثير).
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

ولما ذكر ما هو أدل على الحب في المعبود لأنه وقت الانتشار إلى{[61258]} الأمور الضرورية التي بها القوام والرجوع لقصد الراحة الجسدية بالأكل والشرب واللعب والاجتماع بعد الانتشار والانضمام مع ما في الوقتين من الدلالة الظاهرة على طي الخلق ثم نشرهم ، أتبعه ما يكون وقت السكون المراد به الراحة بلذيذ الاضطجاع والمنام فقال : { ومن الليل } أي في بعض أقواته { فسبحه } بصلاتي المغرب والعشاء وقيام الليل لأن الليل وقت الخلوات وهي ألذ المناجاة .

ولما ذكر الفرائض التي لا مندوحة عنها على وجه يشمل النوافل من الصلاة وغيرها ، أتبعها النوافل المقيدة بها فقال : { وأدبار السجود * } أي الذي هو أكل بابه وهو صلاة الفرض بما يصلى بعدها من الرواتب والتسبيح بالقول أيضاً ، قال الرازي : واعلم أن ثواب الكلمات بقدرة صدورها عن جنان المعرفة والحكمة وأن تكون عين قلبه تدور {[61259]}دوران لسانه{[61260]} ويلاحظ حقائقها ومعانيها ، فالتسبيح تنزيه من كل ما يتصور في الوهم أو يرتسم في الخيال أو ينطبع في الحواس أو{[61261]} يدور في الهواجس ، والحمد يكشف عن المنة وصنع الصنائع وأنه المتفرد بالنعم . انتهى . ومعناه أن هذا الحمد هو الحقيقة ، فإذا انطبقت في الجنان قامت باللسان ، وتصورت بالأركان ، وحمل على الصلاة لأنها أفضل العبادات ، وهي جامعة بما فيها من الأقوال والأفعال لوجهي الذكر : التنزيه والتحميد ، وهاتان الصلاتان المصدر بهما أفضل الصلوات فهما أعظم ما وقع التسبيح بالحمد ، والمعنى . والله أعلم . أن الاشتغال استمطار من المحمود المسبح للنصر على المكذبين ، وأن الصلاة أعظم ترياق للنصر وإزالة الهم ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة .


[61258]:من مد، وفي الأصل: في.
[61259]:من مد، وفي الأصل: بدوران الإنسان.
[61260]:من مد، وفي الأصل: بدوران الإنسان.
[61261]:من مد، وفي الأصل: أي.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{وَمِنَ ٱلَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ ٱلسُّجُودِ} (40)

{ ومن الليل فسبحه وأدبار السجود }

{ ومن الليل فسبحه } أي صل العشاءين { وأدبار السجود } بفتح الهمزة جمع دبر وكسرها مصدر أدبر ، أي صل النوافل المسنونة عقل الفرائض وقيل المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات ملابساً للحمد .