تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فَقَالَ ٱلۡمَلَأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ ٱتَّبَعَكَ إِلَّا ٱلَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ} (27)

المفردات :

الملأ : الأشراف والزعماء ؛ يملؤون العيون مهابة .

إلا بشرا مثلنا : لا فضل لك علينا ، ولا مزية لك علينا تخصك بالنبوة ووجوب الطاعة .

أراذلنا : أخساؤنا جمع أرذل ، وهو بمعنى : الرذل والرذيل . أي : الرديء الدون ، يقال : رذل يرذل ورذل رذالة ، كان رذيلا .

بادي الرأي : أي : ابتداء من غير تفكير ، من البدو وهو أول الرأي .

وما نرى لكم علينا من فضل : أي : زيادة تؤهلكم للنبوة واستحقاق المتابعة .

التفسير :

27 { فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا… } الآية .

الملأ : أشراف الناس وأغنياؤهم ، وهم عادة من طبقة متميزة ناعمة ، قد اطمأنت إلى وضعها ، ورضيت بما هي فيه من غنى ووجاهة ومنزلة ، وكرهت أصحاب الدعوات والرسالات ، فالرسل دعاة حق وإخلاص ، تتضمن دعوتهم توحيد الله ، وكرامة الإنسان ، فالناس جميعا سواسية أفضلهم عند الله أتقاهم ، فهم هنا يقولون لنوح : إنك بشر مثلنا ، لست ملاكا ، فكيف تتفضل علينا بالرسالة ؟ !

{ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ } .

نظر الأغنياء والأشراف إلى أتباع نوح ؛ فوجدوا أنهم من الفقراء والزراع والصناع والعمال ؛ فعيروا نوحا ؛ بأن أتباعه من الأراذل والضعفاء والفقراء ، وليسوا من الأشراف والكبراء ، وهؤلاء تقتحمهم العين وتزدريهم لأول وهلة .

{ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ } .

الفضل : الزيادة في الشرف والغنى ، وغيرهما مما يتميز به الإنسان عن غيره ، أي : وما نرى لك ولمن اتبعك علينا أي فضل تمتازون به في جماعتكم ، كالقوة والكثرة والعلم والرأي ؛ يحملنا على إتباعكم ، والنزول عن جاهنا وامتيازنا عليكم بالجاه والمال لمساواتكم .

{ بل نظنكم كاذبين } . أي : نظنكم كاذبين في جملتكم : المتبوع في دعوى النبوة ، والتابعون في تصديقه ، وشبيه بهذه الآية قوله تعالى : { قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون } . ( الشعراء : 111 ) .

ونلاحظ أن الأغنياء والوجهاء قدموا أربع حجج ؛ لرفضهم دعوة نوح عليه السلام :

1 أنه بشر مثلهم غير متميز عليهم .

2 انه لم يتبعه إلا الفقراء العمال والأراذل في ظاهر الأمر ولأول وهلة .

3 ليس لهؤلاء فضل في الطبقة والمكانة الاجتماعية ، أو قوة عصبية ، أو كثرة غالبة ، أو غير ذلك من المزايا التي ترفع الأراذل عن منزلتهم ؛ فيهون على الأشراف مساواتهم .

4 هم يرجحون أن نوحا وأتباعه كاذبين .