تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى ٱللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ} (29)

المفردات :

وما أنا بطارد الذين آمنوا : طرده : أبعده ونحاه .

تجهلون : أي : تسفهون عليهم ، وهو من الجهالة التي تضاد العقل والحلم .

التفسير :

29 { وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ . . . } الآية .

إني أقوم برسالتي ؛ احتسابا لوجه الله ، ودعوتي خالصة من المطامع الدنيوية ؛ فأنا لا أطلب منكم مالا ولا أجرة على تبليغ الرسالة والهداية .

{ إن أجري إلا على الله } . لا أنتظر الجزاء والثواب إلا من الله ؛ فهو صاحب الفضل والمنة ، وله الحمد في الأولى والآخرة .

وشبيه بهذه الآية قوله تعالى في سورة الشعراء : { وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } . ( الشعراء : 109 ) .

وقد روى عن ابن جريج : لأنهم قالوا لنوح : إن أحببت أن نتبعك ؛ فاطرد هؤلاء الأراذل ؛ لذلك قال لهم : { وما أنا بطارد الذين آمنوا } . أي : لا أتخلى عنهم ولا أطردهم من مجلسي ، فلا أتخلى عمن آمن بالله ، سواء أكان من الفقراء أم من الأغنياء .

ويبدو أن الرسل قد تعرضوا لهذا العرض في تاريخهم الطويل ، وهو تطلع الأغنياء إلى أن تكون لهم مجالس خاصة بهم لا يشترك فيها الفقراء ، ومثل هذا العرض قدمه أهل مكة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد أجاب عنه القرآن في سورة الكهف ، حيث قال تعالى : { وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } . ( الكهف : 28 ) .

{ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ } .

إن هؤلاء الفقراء الذين دخلوا في الإيمان ، صائرون إلى ربهم ، وهو سائلهم عن أعمالهم ، ولن يسألهم عن أحسابهم ؛ فكيف يكون موقفي أمام الله يوم القيامة إذا طردت هؤلاء المؤمنين من مجالسي ، عندما يقف المؤمنون أمام الله ؛ وهو المالك العادل الذي ينصف المظلوم من الظالم ، ويقضي بين الناس بالعدل يوم القيامة ؟ ! !

{ ولكني أراكم قوما تجهلون } . أي : تجهلون القيم الحقيقية للناس عند الله ، وتجهلون أن مرد الناس جميعا إلى الله وحده للحساب . قال تعالى : { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } . ( الأنبياء : 47 ) .

وفي الحديث الشريف : " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم " . 36