تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِلَيۡلٖ تَسۡكُنُونَ فِيهِۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ} (72)

71

المفردات :

تسكنون فيه : تهدأون فيه وتستريحون .

التفسير :

72-{ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون } .

ثم تلمس السورة القلوب والأفئدة ، والعقول والخيال ، فلو تخيل الإنسان أن الحياة نهار دائم مستمر ، لا ليل فيه ولا ظلام ، ولا سكن ولا هدوء ، حينئذ تتأثر أعصاب الناس من كثرة الضوء والعمل ، ومن قلة الهدوء والظلام ، وفي ليالي الشتاء الطويلة يشتاق الناس إلى طلوع الفجر ، ثم طلوع الشمس ثم الحركة والسعي ، وكذلك في نهار الصيف القائظ يضيق الناس بالهجير والحرارة والضوء ، ويشتاقون إلى نسيم الليل وهدوئه وراحته ، مع أن الليل محدود في الشتاء ، والنهار محدود في الصيف ، لكن إذا طال الليل قليلا زاد الحنين إلى النهار ، وإذا طال النهار قليلا اشتد الحنين إلى الليل .

والمعنى :

أخبروني إن جعل الله عليكم النهار سرمدا مستمرا دائما أبدا إلى يوم القيامة ، هل يوجد صنم أو وثن أو إله آخر غير الله يستطيع أن يأتيكم بليل يكون لكم سكنا وراحة ، ونوما وهدوءا ، أفلا تنظرون بعيونكم ، وتتأملون ضياء النهار ، وانسحاب الظلام ، كما قال سبحانه : { والليل إذا أدبر* والصبح إذا أسفر* إنها لإحدى الكبر } [ المدثر : 33-35 ] .

ونلاحظ ما يأتي :

عندما تحدث الله عن استمرار الليل قال : { أفلا تسمعون } لأن الإنسان إذا كان في الظلام يعتمد على حاسة السمع ، وهي حاسة لا تنام ، وقد وردت في القرآن قبل البصر لأنها وسيلة الفكر والتعلم .

وعندما تحدث القرآن عن استمرار النهار قال : { آفلا تبصرون } لأن الإنسان في النهار يستخدم البصر في رؤية ما حوله .

وقال الآلوسي :

{ أفلا تبصرون } الشواهد المنصوبة الدالة على القدرة الكاملة ، لتقفوا على أن غير الله لا قدرة له على ذلك ، فإذا أقررتم بأنه لا يقدر على الإتيان بالليل والنهار غير الله ، فلم تشركون ؟ اه .

ونلاحظ أنه لم يجتمع السمع والبصر في كتاب الله إلا وقدم السمع على البصر .

قال تعالى : { وهو الذي أنشأكم لكم السمع والأبصار والأفئدة . . } [ المؤمنون : 78 ] .

وقال تعالى : { إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا } [ الإسراء : 36 ] .

وقد ذكر العلماء والمحدثون أن السمع أول حاسة تؤدي وظيفتها في الدنيا ، وهو أداة الاستدعاء في الآخرة ، ولأن الأذن لا تنام ، فالسمع أسبق وأنفع وأدومxxviii .