تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدۡرَهُۥ لِلۡإِسۡلَٰمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٖ مِّن رَّبِّهِۦۚ فَوَيۡلٞ لِّلۡقَٰسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ} (22)

المفردات :

شرح الله صدره للإسلام : وسع صدره للإسلام حتى فرح به واطمأن إليه .

فهو على نور : بصيرة وهدى ومعرفة بالله وشرائعه .

ويل : عذاب .

للقاسية قلوبهم : قلب قاس ، أي صلب لا يرق ولا يلين .

من ذكر الله : من قبول القرآن ، فلم تؤمن به ولم تعمل بما فيه .

التفسير :

22- { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربّه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين } .

دلّت الآية السابقة على بديع القدرة في إنزال الماء ، منه ما يكون أنهارا تجري ، كالنيل والفرات ودجلة ، ومنه ما ينزل في الأرض فيكون وسيلة لتكوين الينابيع ، وسقي الزرع والنبات المختلف الألوان والأنواع ، الذي يعيش فترة أخضر يانعا ، ثم يذبل ويصفرّ ويكون حطاما ، والقلوب المتفتحة هي التي تتأثر بيد القدرة الإلهية ، وتشاهد هذه القدرة في كل مظاهر الحياة والنماء ، في بسمة الوليد وانفلاق الصباح وسطوع الشمس ، وحركة الظلام وتحرك النبات ، ونمو الإنسان من ضعف إلى قوة ثم وصوله إلى المشيب والموت .

وفي هذه الآية نجد أيضا أن من الناس من حلّت فيه بركة الله وهدايته ، فشرح صدره للإسلام ، وأنار قلبه بالقرآن والسنّة المطهرة والموعظة الحسنة ، فترى قلبه حيا بذكر الله ومراقبته وخشيته ، فهو على نور وهداية من الله تعالى .

وجواب الاستفهام محذوف دل عليه السياق ، والتقدير : أفمن شرح الله صدره للإسلام فاهتدى به ، كم ضاق صدره وامتنع عن الإسلام ؟

أي : هل يستوي المؤمن والكافر ؟ أو هل يستوي الأحياء والأموات ؟

وفي هذا المعنى يقول الله تعالى : { وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات والنور * ولا الظل ولا الحرور * وما يستوي الحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور } . ( فاطر : 19 ، 22 )

{ فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله . . . }

العذاب الشديد لأصحاب القلوب الصماء القاسية كالصخر ، التي لا تلين لذكر الله ، ولا تتسع لسماع القرآن ، ولا لنداء الرحمان ، بل يزيدها سماع القرآن إعراضا وبعدا وكرها وكفرا .

وبعض المفسرين قال : إن ، { من ذكر الله } . معناها : عن ذكر الله ، فهي قلوب غافلة عن القرآن والإيمان ، وأسباب الهداية والتوفيق ، لأنها قاسية صلبة لا تلين لذكر الله .

{ أولئك في ضلال مبين } .

أي : إن هؤلاء الكافرين الضالين فقد غلبهم الضلال واستهواهم الكفر ، واستحوذ عليهم الشيطان ، فهم في ضلال واضح ، وعمى عن الحق والنور والهدى .

قال تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها . . . } ( الأنعام : 122 )

قال ابن عباس : من شرح الله صدره للإسلام أبو بكر رضي الله عنه .

وأخرج ابن مردويه ، عن ابن مسعود قال : قلنا : يا رسول الله ، قوله تعالى : { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه . . . } كيف انشرح صدره ؟ : " إذا دخل النور القلب انشرح وانفتح " ، قلنا : يا رسول الله ، وما علامة ذلك ؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " {[591]} .

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، عن ابن عمر ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، أي المؤمنين أكيس ؟ قال : " أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا ، وإذا دخل النور من القلب انفسح واستوسع " .

قالوا : فما آية ذلك يا نبي الله ؟ قال : " الإنابة إلى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزول الموت " .

وعن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله تعالى : اطلبوا الحوائج من السُّمحاء ، فإني جعلت فيهم رحمتي ، ولا تطلبوها من القاسية قلوبهم ، فإني جعلت فيها سخطي " {[592]} .

وقال مالك بن دينار :

ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم .


[591]:إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح: قال السيوطي في الدر المنثور: وأخرج ابن مردويه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه} فقلنا: يا رسول الله كيف انشراح صدره ؟ قال: " إذا دخل النور القلب انشرح وانفسح " قلنا: يا رسول الله فما علامة ذلك ؟ قال:" الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والتأهب للموت قبل نزول الموت. قال العراقي في تخريج الإحياء: رواه الحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود.
[592]:اطلبوا الحوائج: قال السيوطي في الجامع الصغير (1106): اطلبوا الحوائج إلى ذوي الرحمة من أمتي ترزقوا وتنجحوا: فإن الله تعالى يقول: رحمتي في ذوي الرحمة من عبادي،" ولا تطلبوا الحوائج عند القاسية قلوبهم فلا ترزقوا ولا تنجحوا، فإن الله تعالى يقول: "إن سخطي فيهم". ونسبه للعقيلي في الضعفاء والطبراني في الأوسط عن أبي سعيد. قال: ضعيف. قال المناوي في الفيض: وقد ذكر السخاوى الحديث من عدة طرق عن نحو عشرة من الصحب. ثم قال:طرقه كلها ضعيفة لكن المتن غير موضوع. انتهى. وسبقه لنحوه ابن حجر فقال: طرقه كلها ضعيفة وبعضها أشد ضعفا من بعض.