تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَفَمَنۡ حَقَّ عَلَيۡهِ كَلِمَةُ ٱلۡعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ} (19)

المفردات :

كلمة العذاب : إشارة إلى قوله تعالى : { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } . ( ص : 85 )

التفسير :

19- { أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار } .

كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على هداية قومه ، من أمثال أبى جهل وأضرابه ، ممن عبدوا الطاغوت وأطاعوا الشيطان ، وكفروا بالإسلام ، فاستحقوا الضلالة والشقاء ، وحقت عليهم كلمة العذاب ، حيث قال تعالى : { قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } ( ص : 84 ، 85 ) .

لقد اختار الضلالة على الهدى ، فوجبت عليه كلمة العذاب ، وهي قسم الله أن يملأ جهنم من الشيطان وأتباعه ، فاستحق ذلك الوعيد ، واستوجب الخلود في جهنم ، ولم يعد ممكنا لك يا محمد أن تنقذه من النار التي استحقها بعدالة الله تعالى .

والمعنى :

إنك يا محمد لا تقدر على هدايته فتخلّصه من النار ، والمقصود : طب نفسا وقرّ عينا ، ولا تجزع لإعراض قومك ، فإن العذاب سيصيبهم جزاء وفاقا ، وفي هذا المعنى نجد قوله تعالى : { فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر } . ( الغاشية : 21 ، 22 ) .

وقوله سبحانه : { طسم * تلك آيات الكتاب المبين * لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين } . ( الشعراء : 1-3 ) .

وقول الله عز وجل : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . . . } ( القصص : 56 ) .

وقوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيدا } . ( المدثر : 11 ) .

وقوله عز وجل : { ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين } . ( يونس : 99 ) .

من تفسير الفخر الرازي

ذكر الفخر الرازي عند تفسير هذه الآية ثلاث مسائل : نترك ما قاله في المسألتين الأولى والثانية ، وننقل هنا ما قاله في المسألة الثالثة وهو ما يأتي :

احتج القاضي بهذه الآية على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشفع لأهل الكبائر ، قال لأنه حق عليهم العذاب ، فتلك الشفاعة تكون جارية مجرى إنقاذهم من النار ، وأن الله تعالى حكم عليهم بالإنكار والاستبعاد ، فيقال له : لا نسلّم أن أهل الكبائر قد حق عليهم العذاب ، وكيف يحق العذاب عليهم مع أن الله تعالى قال : { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء . . . } ( النساء : 48 ) . ومع قوله : { إن الله يغفر الذنوب جميعا . . . } ( الزمر : 53 ) . والله أعلم {[589]} .


[589]:التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي، مجلد 9 ص 438، 439، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان.