السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَقَدۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنۡ أَسۡرِ بِعِبَادِي فَٱضۡرِبۡ لَهُمۡ طَرِيقٗا فِي ٱلۡبَحۡرِ يَبَسٗا لَّا تَخَٰفُ دَرَكٗا وَلَا تَخۡشَىٰ} (77)

وقوله تعالى : { ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي } عطف على قوله : { ولقد أريناه آياتنا } [ طه ، 56 ]

وفيه دليل على أن موسى عليه السلام كثر مستجيبوه ، فأراد الله تعالى تمييزهم من طبقة فرعون وخلاصهم ، فأوحى إليه أن يسري بهم ليلاً ، والسري اسم لسير الليل ، والإسراء مثله ، والحكمة في السري بهم لئلا يشاهدهم العدو فيمنعهم عن مرادهم ، أو ليكون ذلك عائقاً لفرعون عن طلبه وتتبعه ، أو ليكون إذا تقارب العسكر أن لا يرى عسكر موسى عليه الصلاة والسلام عسكر فرعون لعنه الله فلا يهابونهم .

وقرأ نافع وابن كثير بكسر النون وهمزة وصل بعدها من سرى ، والباقون بسكون النون ، وهمزة قطع بعدها من أسرى لغتان أي أسر ببني إسرائيل من أرض مصر التي لينت قلب فرعون لهم حتى أذن لهم في مسيرهم بعد أن كان قد أبى أن يطلقهم ، أو يكف عنهم العذاب فأقصد بهم ناحية بحر القلزم { فاضرب } أي : اجعل { لهم } بالضرب بعصاك { طريقاً في البحر } والمراد بالطريق الجنس ، فإنه كان لكل سبط طريق ، وقوله { يبساً } صفة لطريق وصف به لما يؤول إليه ؛ لأنه لم يكن يبساً إلا بعد أن مرت عليه الصبا ، فجففته كما روي ، وقيل في الأصل مصدر وصف به مبالغة ، وقيل : جمع يابس كخادم وخدم وصف به الواحد مبالغة ، فلما امتثل ما أمر به ، وأيبس الله تعالى له الأرض ، وأراد المرور بها قال الله تعالى له : { لا تخاف دركاً } أي : أن يدركك فرعون { ولا تخشى } غرقاً وقرأ حمزة بجزم الفاء ولا ألف بينها وبين الخاء على أن يكون نهياً مستأنفاً ، والباقون برفع الفاء ، وألف بينهما وبين الخاء على أنه مستأنف ، فلا محل له من الإعراب ، أو أنه في محل نصب على الحال من فاعل اضرب ، أي : اضرب غير خائف .