السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (191)

{ وإنّ ربك } أي : المحسن إليك بكل ما يعلي شأنك ويوضح برهانك { لهو العزيز } فلا يعجزه أحد { الرحيم } بالإمهال لكي يؤمنوا أو أحد من ذرّيتهم : وهذا آخر القصص السبع المذكورة على سبيل الاختصار تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتهديداً للمكذبين له .

فإن قيل : كيف كرّر في هذا السورة في أول كل قصة وآخرها ما كرّر ؟ .

أجيب : بأنّ كل قصة منها كتنزيل برأسه وفيها من الاعتبار مثل ما في غيرها ، فكانت كل واحدة منها تدلي بحق على أن تفتتح بما افتتحت به صاحبتها وأن تختم بما ختمت به ، ولأنّ في التكرير تقريراً للمعاني في الأنفس وتثبيتاً لها في الصدور ، ألا ترى أنه لا طريق إلى تحفظ العلوم إلا بترديد ما يراد حفظه منها ، وكلما زاد ترديده كان أمكن في القلب وأرسخ في الفهم وأثبت للذكر وأبعد من النسيان ، ولأنّ هذه القصص طرقت بها آذان وقر عن الإنصات للحق وقلوب غلف عن تدبره فكوثرت بالوعظ والتذكير وروجعت بالترديد والتكرير لعل ذلك يفتح أذناً أو يشق ذهناً أو يصقل عقلاً طال عهده بالصقل ، أو يجلو فهماً قد غطى عليه تراكم الصدا وفي ذلك دلالة على أنّ البعثة مقصورة على الدعاء إلى معرفة الحق والطاعة فيما يقرّب المدعو إلى ثوابه ويبعده عن عقابه ، وأنّ الأنبياء متفقون على ذلك وإن اختلفوا في بعض التفاريع ، مبرؤون عن المطامع الدينية والأغراض الدنيوية .