فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلۡعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ} (191)

{ وإن ربك لهو العزيز الرحيم } ويقينا مؤكدا أن وليك ومعبودك ومصلحك لهو الذي يغلب ولا يغلب ، وإنه لهو الرحيم بأحبابه وأنصار دينه ، يؤيدهم في العاجلة على من عاداهم ، وينعمهم في الآخرة ويكرم مثواهم ، - يقول تعالى ذكره : إن في تعذيبنا قوم شعيب عذاب يوم الظلة بتكذيبهم نبيهم شعيب لآية لقومك يا محمد ، وعبرة لمن اعتبر أن اعتبروا أن سنتنا فيهم بتكذيبهم إياك سنتنا في أصحاب الأيكة{ وما كان أكثرهم مؤمنين } في سابق علمنا فيهم ، { وإن ربك } يا محمد{ لهو العزيز } في نقمته ممن انتقم منه من أعدائه ، { الرحيم } بمن تاب من خلقه وأناب إلى طاعته-{[2781]} .

وهكذا قص الله تعالى علينا من أنباء الرسل في هذه السورة المباركة سبع قصص : قصة موسى وهارون عليهما السلام مع فرعون وملئه ، حتى الآية الكريمة الثامنة والستين ، وقصة إبراهيم عليه السلام وما تبعها حتى الآية المباركة الرابعة بعد المائة ، ثم قصة نوح عليه السلام حتى الثانية والعشرين بعد المائة ، ثم قصة هود عليه السلام مع قومه حتى الآية الأربعين بعد المائة ، ثم قصة صالح عليه السلام مع قومه حتى الآية التاسعة والخمسين بعد المائة ، ثم قصة لوط عليه السلام مع قومه حتى الآية الخامسة والسبعين بعد المائة ، ثم ختمت بقصة شعيب عليه السلام مع أصحاب الأيكة حتى الآية الحادية والتسعين بعد المائة ، [ ولعل الاقتصار على هذا العدد- على ما قيل- لأنه عدد تام ، وأنا أفوض العلم بسر ذلك ، وكذا العلم بسر ترتيب القصص على هذا الوجه لحضرة علام الغيوب جل شأنه ]{[2782]} .

مما نقل صاحب تفسير غرائب القرآن . . : واعلم أنه سبحانه كرر بعض الآيات في هذه السورة لأجل التأكيد والتقرير ، فمن ذلك أنه كرر قوله : { إن في ذلك لآية } إلى قوله : { الرحيم } في ثمانية مواضع : أولها- في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، والثانية- في قصة موسى ، ثم إبراهيم ، ثم نوح ، ثم هود ، ثم صالح ، ثم لوط ، ثم شعيب ، ومن ذلك قوله : { ألا تتقون . إني لكم رسول أمين . فاتقوا الله وأطيعون . وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين } وهو مذكور في خمسة مواضع : في قصة نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، ومن ذلك أنه كرر{ فاتقوا الله وأطيعون } في قصة نوح وهود وصالح ، ليس في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم : ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ، لذكرها في مواضع من غير هذه السورة ، وليس في قصة موسى لأنه رباه فرعون حيث قال : { ألم نربك فينا وليدا } ولا في قصة إبراهيم ، لأن أباه في المخاطبين حيث يقول : { إذ قال لأبيه وقومه } وهو قد رباه فاستحيا موسى وإبراهيم أن يقولا : وما أسألكم عليه من أجر ، وإن كانا منزهين من طلب الأجر ، ثم إنه تعالى أعاد في هذه السورة قصص الأنبياء المشهورين مع أممهم اعتبارا لهذه الأمة ، وبدأ بقصة موسى لما فيها من غرائب الأحوال ، وعجائب الأمور ، والنداء المسموع عند الأشعري : هو الكلام القديم الذي لا يشبه الحروف والأصوات ، وعند المعتزلة –وإليه ميل أبي منصور الماتريدي- أنه من جنس الحروف والأصوات ، وأنه وقع على وجه علم به موسى أنه من قبل الله تعالى ، وقد عرفه أنه سيظهر عليه المعجزات إذا طولب بذلك . . أه .


[2781]:ما بين العارضتين مما أورد الطبري.
[2782]:ما بين العلامتين[ ] مما كتب الألوسي.