السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞فَلَمَّآ أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنۡهُمُ ٱلۡكُفۡرَ قَالَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ وَٱشۡهَدۡ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ} (52)

ولما قال لهم ذلك كذبوه ولم يؤمنوا به كما قال تعالى :

{ فلما أحس عيسى } أي : علم { منهم } علماً لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواس { الكفر قال من أنصاري } قرأ نافع بفتح الياء والباقون بالسكون أي : أعواني وقوله : { إلى الله } متعلق بمحذوف حال من الياء أي : من أنصاري ذاهباً إلى الله تعالى ملتجئاً إليه تعالى لأنصر دينه وقيل : إلى هنا بمعنى مع أو في أو اللام { قال الحواريون نحن أنصار الله } أي : أعوان دينه واختلفوا في الحواريين ، فقال السدي : لما بعث الله تعالى عيسى إلى بني إسرائيل كذبوه وأخرجوه فخرج هو وأمه يسيحان في الأرض فنزلا في قرية على رجل فأضافهما وأحسن إليهما ، وكان لتلك المدينة جبار متعد فجاء ذلك الرجل يوماً مهتماً حزيناً فدخل منزله ومريم عند امرأته فقالت لها مريم : ما شأن زوجك أراه كئيباً ؟ قالت : لا تسأليني قالت : أخبريني لعل الله يفرّج كربته قالت : إن لنا ملكاً يجعل على كل رجل منا يوماً أن يطعمه وجنوده ويسقيهم خمراً فإن لم يفعل عاقبه واليوم نوبتنا وليس لذلك عندنا سعة قالت : فقولي له لا تهتم فإني آمر ابني فيدعو له فيكفي ذلك ، فقالت مريم لعيسى في ذلك قال عيسى : إن فعلت ذلك وقع شرّ قالت : فلا تبال فإنه قد أحسن إلينا وأكرمنا . قال عيسى : قولي له إذا اقترب ذلك فاملأ قدورك وخوابيك ماء ثم أعلمني ففعل ذلك فدعا الله عيسى فتحوّل ماء القدور مرقاً ولحماً وماء الخوابي خمراً لم ير الناس مثله قط ، فلما جاء الملك أكل فلما شرب الخمر قال : من أين هذا الخمر ؟ قال : من أرض كذا قال : فإن خمري من تلك الأرض وليست مثل هذه قال : هي من أرض أخرى فلما خلط على الملك شدّد عليه قال : فأنا أخبرك عندي غلام لا يسأل الله تعالى شيئاً إلا أعطاه إياه وإنه دعا الله فجعل الماء خمراً ، فلما أحضره وكان للملك ابن يريد أن يستخلفه فمات قبل ذلك بأيام وكان أحب الخلق إليه فقال : إنّ رجلاً دعا الله تعالى فجعل الماء خمراً ليجأ به إليّ حتى يحيي ابني فدعي بعيسى إليه فكلمه في ذلك فقال عيسى : لا أفعل فإنه إن عاش وقع شرّ . قال الملك : لا عليك . قال عيسى : إن أحييته تتركني أنا وأمي نذهب حيث نشاء ؟ قال : نعم فدعا الله تعالى فعاش الغلام ، فلما رآه أهل مملكته قد عاش تبادروا بالسلاح وقالوا : أكلنا هذا حتى إذا دنا موته يريد أن يستخلف علينا ابنه فيأكلنا كما أكلنا أبوه فاقتتلوا ، وذهب عيسى وأمّه فمرّوا بالحواريين وهم يصطادون السمك فقال : ما تصنعون ؟ قالوا : نصطاد السمك قالوا : ومن أنت ؟ قال : عيسى بن مريم عبد الله ورسوله فقالوا : { آمنا } أي : صدقنا { بالله واشهد } يا عيسى { بأنا مسلمون } لتشهد لنا يوم القيامة حين تشهد الرسل لقومهم وعليهم .